انتشر مؤخَّرًا خبر قيام بعض الشباب السعوديين بتحويل إحدى الشقق التي قاموا باستئجارها في أمريكا أثناء دراستهم إلى مكب نفايات حسب وصف صاحبة الشقة، والتي أصابتها صدمة قوية، ولم تصدّق ما شاهدته في الشقة بعد استلامها من الشباب، حيث أظهرت بعض الصور أكياس القمامة، وأمتعة قديمة، وأحذية مقطعة، وسجائر، وقوارير مشروبات غازية، وبقايا طعام، وقاذورات؛ ممَّا أثار غضبها. وصرحت بأنَّها ستعيد النظر في تأجير المنازل التي تملِّكها للسعوديين والكويتيين. هذا المنظر لا نراه فقط في تلك الشقق المستأجرة، بل وفي كثير من الأحيان نراه في منازلنا، وفي الطرقات بل وفي الأماكن العامة، والحدائق، والمتنزهات، فهل نحن شعب يعشق الفوضى؟ وهل نحن شعب تعوَّد على أن يترك المكان أسوأ ممّا كان؟ قد يتَّفق البعض، أو يختلف على إجابة السؤال الماضي، فمن سيقول إننا شعب فوضوي لديه الكثير من الأدلة والحقائق، بل يكفي صاحب هذا الرأي أن يقوم بقيادة سيارته في أحد الشوارع الرئيسة؛ ليقيس مستوى الفوضى الذي نعيشه، أمَّا مَن يختلف مع هذا الرأي فلديه أيضًا أدلة تؤكّد أنَّنا لسنا فوضويين، فنحن نلتزم بجميع التعليمات المعطاة إذا ما غادرنا أرض الوطن، وننضبط لكلِّ ما يصدر لنا من تعليمات، بل إننا نحرص على الوقوف في الصفوف -ولو طالت-! ولا نفكِّر -ولو تفكيرًا- أن نتجاوز مَن أمامنا. فهل السبب في عشق هذه الفوضى هو عدم كفاءة الأنظمة التي تحيط بنا وضعفها؟ أم السبب هو في عدم تطبيقها، فهي أنظمة شكليَّة يمكن أن يتمَّ تجاوزها؟ أم السبب أنَّه لا توجد عقوبات مشدَّدة لمَن يتجاوز تلك الأنظمة؟ أم أنَّ العقوبات موجودة، ولكن لا تُطبَّق إلاَّ بمعايير معيَّنة؟ أم أن هناك نظامًا آخرَ يسحق كل تلك الأنظمة، وهو نظام الواسطة الذي يقوم بمفعول السحر، ويلغي أيَّ نظام آخر؟ أم السبب أن تلك الأنظمة لا يطبّقها المسؤولون الذين هم قدوات للآخرين ممَّا يجعل الآخرين يزهدون في تطبيقها؟ أم السبب أنَّنا نشأنا وتربينا على الفوضى، فلا وقت نوم منظم، ولا وقت طعام منظم، ولا وقت عمل منظم؟ الفوضى أصبحت سمة هذا المجتمع، وهي مرض عضال يفتك بكل مسارات حياتنا المختلفة، وتحيط بالكبير والصغير، وتحتاج إلى علاج جذري متقن وسريع، يبدأ من قضية أساسية، وهي الاحترام الذي يجب أن نربي الأجيال القادمة عليه، وأن يعمل كل منّا على أن يحترم نفسه، ووقته، ومسؤولياته بداية، وأن يحترم كل فرد ما حوله، وأن يصبرعلى هذا الاحترام، وإن خالفه الآخرون. Ibrahim.badawood@gmail.com
مشاركة :