أدت الأزمات المتفاقمة العديدة في الآونة الأخيرة إلى اشتداد قتامة الآفاق الاقتصادية وتوقعات التنمية العالمية. فالنمو العالمي يتباطأ، وزادت ضغوط الفقر والجوع وندرة المياه وتكلفة المعيشة وانعدام الأمن الغذائي وأمن الطاقة زيادة مخيفة، ما أدى إلى تعميق التحديات الحالية أمام الاقتصاد العالمي وتفاقم أوجه الهشاشة في الدول الهشة والمتأثرة بالصراعات. ومع ارتفاع التضخم المزمن والطفرات الحادة في أسعار الغذاء والطاقة، التي تفاقمت بسبب الصراع الدائر في أوكرانيا، تضررت الأسر محدودة الدخل والفقراء أكثر من سواهم. وارتفعت مخاطر التطورات المعاكسة المحيطة بالنمو المرتقب فنشأت المخاوف من احتمال الدخول في حالة ركود عالمي. وتشهد الأوضاع المالية في الوقت الراهن تدهورا مستمرا. وتحرك صناع السياسات، خاصة في الاقتصادات المتقدمة، لكبح التضخم المرتفع أكثر من المتوقع بتشديد السياسات النقدية من خلال تطبيق زيادات حادة ومتكررة في أسعار الفائدة، ما أدى إلى هبوط قيمة العملة في الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية وخروج تدفقات رأسمالية كبيرة منها. ومع شدة ضيق الحيز المالي في هذه الاقتصادات وازدياد أعباء مديونيتها يجد صناع السياسات أنفسهم أمام مفاضلات صعبة بين مواصلة الإنفاق الاجتماعي وزيادة الاستثمارات لتأمين التعافي من الآثار السلبية الهائلة التي خلفتها الجائحة على النمو الاقتصادي ورأس المال البشري والفقر وعدم المساواة. وبات تحقيق التعافي الاحتوائي والمستمر محفوفا بدرجة عالية من عدم اليقين في ظل استجابات العالم على صعيد السياسات لاجتياز أزمة التضخم المرتفع وما يقترن بها من آثار غير مباشرة، وعدم كفاية الموارد المالية، والمخاطر الناشئة عن الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية. وباتت الحاجة ملحة إلى الدعم القوي والمنسق متعدد الأطراف للتصدي لأزمتي الغذاء والطاقة. وإذ نرحب بالجهود التي تبذلها الدول والمنظمات الدولية لمعالجة تصاعد انعدام الأمن الغذائي والحد من التشوهات التجارية، فإننا نرحب بقرار وزراء منظمة التجارة العالمية بشأن إعفاء مشتريات الأغذية لمصلحة "برنامج الغذاء العالمي" من أشكال الحظر، أو القيود على الصادرات من أجل تلبية احتياجات أقل الدول تقدما والدول النامية المستوردة للغذاء على أساس صاف. غير أنه يلزم اتخاذ إجراءات أكثر قوة لتعزيز الإنتاج الغذائي وتنويع مصادره. كما ينبغي لمنظمة التجارة العالمية مواصلة التصدي لسياسات الدعم وقيود الاستيراد التي تطبقها الاقتصادات المتقدمة منذ فترة طويلة وتسببت في تقييد الإنتاج والصادرات الزراعية من عديد من الدول النامية. ونشجع على استكشاف حلول إقليمية للتخفيف من حدة نقص إمدادات الغذاء والطاقة. ونرحب بإنشاء نافذة مواجهة صدمة الغذاء ضمن أداتي صندوق النقد الدولي للتمويل الطارئ ونتطلع إلى تقديمها المساعدة العاجلة إلى الدول المحتاجة. وندعو أيضا إلى مراعاة المرونة في توفير مثل هذه المساعدة إلى الدول التي لديها مخاوف من استدامة القدرة على تحمل الدين لضمان تحركها بصورة عاجلة في هذا الشأن. ونرحب بحزمة الاستجابة للأزمات العالمية التي أعلنتها مجموعة البنك الدولي لمعالجة محركات انعدام الأمن الغذائي وآثاره، والتعافي من الخسائر التعليمية وغيرها من الخسائر التي لحقت بتنمية رأس المال البشري، وبناء القدرة على الصمود في أوقات الأزمات الصحية والجوائح المستقبلية. ونرحب كذلك بإنشاء صندوق الوساطة المالية للوقاية من الأوبئة والتأهب والتصدي لها.
مشاركة :