المشهد الحالي في الاتحاد الأوروبي، مشابه لذاك الذي مر به خلال أزمة الديون الأوروبية أواخر العقد الأول من القرن الحالي. كانت الخلافات وقتها تتمحور حول شكل الإنقاذ المالي للدول المتعثرة، والأهم مصادر التمويل. اليوم تتصدر أزمة الطاقة التي ولدتها الحرب في أوكرانيا الصورة العامة، بحيث رفعت من وتيرة الانتقادات العلنية المتبادلة على أعلى المستويات ضمن الكتلة الأوروبية، بما في ذلك تحذير الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لألمانيا من مغبة عزل نفسها، لأن ذلك لن يكون جيداً لا لبرلين ولا لعواصم الاتحاد. الحكومة الألمانية خصصت 200 مليار يورو لدعم الطاقة لسكانها، مع الارتفاعات المتواصلة لأسعارها (بترول، غاز، كهرباء). ماذا يعني ذلك بالنسبة لأكثر الدول ضمن الكتلة الأوروبية؟ يعني أن المنافسة ستتأثر سلباً، ولا سيما أنها لا تستطيع (مالياً) أن تجاري دولة كألمانيا. ولهذا اعتبرت خطوة برلين بمثابة مسار ألماني منفرد في أزمة الطاقة. هذا التجاذب بين الأطراف الأوروبية، يطرح أسئلة ليست حول مصير الاتحاد الأوروبي، بل حول مدى تماسكه في صنع القرار في أوقات الأزمات. لا شك في أن برلين لا تستهدف الاتحاد ومصيره، بل تركز على تخفيف أعباء الموجة التضخمية العنيفة التي تضرب العالم في الوقت الراهن. ليس أسوأ على الاتحاد الأوروبي من الخلافات في وقت يواجه فيه حرباً هي الأخطر على الإطلاق منذ الحرب العالمية الثانية.. والأنظار تتجه إلى فرنسا الآن، ليس لأنها تمتلك مفاتيح الحلول، بل لكونها تمثل الركن الآمن (إنْ جاز القول) لهذا التكتل الكبير، وتربطها حقاً علاقة وطيدة بالجارة ألمانيا مع كل الإدارات السياسية التي مرت على برلين. وليس أمام الاتحاد حالياً سوى تأمين الإمدادات الكافية من الطاقة مع اقتراب الفصول الباردة، التي يرتفع فيها الطلب على الطاقة بأنواعها، والقائمون عليه يعرفون أن الإمدادات الروسية التي كانت قبل الحرب في أوكرانيا تبلغ أكثر من 40% من الطلب الأوروبي، لن تعود قريباً، حتى ولو أدى ذلك إلى مزيد من الضغوط الاقتصادية على موسكو. فالطاقة سلاح روسي قوي، في مواجهة كتلة هائلة الحجم لم تملك استراتيجية لأمن الطاقة. وبصرف النظر عن إخفاق الأوروبيين في مسألة أمن الطاقة، والتي على رأسها «استرخاص» الإمدادات الروسية، ليس أمامهم الآن سوى التماسك، بينما يظهر انقسام هنا وآخر هناك، وانتقادات متبادلة. ويبدو واضحاً أن على ألمانيا التي أوقفت انهيار اقتصادات أربع دول أوروبية قبل أكثر من عقد من الزمن، أن تتقدم اليوم وتوفر نوعاً من الأمان على ساحة الطاقة.
مشاركة :