صباح الحرف - الأوثان في السعودية

  • 1/16/2016
  • 00:00
  • 24
  • 0
  • 0
news-picture

يقول الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور: «إنه مكسب واضح أن تضحي بالمتعة لتفادي الألم». ربطت قوله بأحاديث المجالس السعودية عن «التحول»، الكلمة التي باتت تقرأ يومياً في الإعلام الرسمي والاجتماعي، والتي تثير تساؤلات البعض ومخاوف البعض الآخر. كثير من الناس المنتمين إلى الطبقة الوسطى اقتصادياً دار في خلدهم شيء مقارب لفكرة الفيلسوف الألماني مفاده: عن أية متعة سأتخلى، وما الألم الذي سأتفاداه في المقابل؟ والحديث الذاتي هنا هو غالباً ما يكون مالياً لأن أرقام الزيادات في كلفة المعيشة باتت واقعاً، و«شد الحزام» الفردي، ومعه الحكومي بات ملحوظاً، فيلحّ السؤال: ما العمل؟ أو بالتعبير السينمائي المعروف: «كيف أنجو؟». أعتقد أن أول ما يجب على الفرد السعودي تحديداً رجلاً كان أم امرأة هو «تحطيم الأوثان»، ليس على طريقة نيتشه الشهيرة التي ارتكزت على منطق المطرقة لتحطيم المثل العليا القديمة، وإنما كما أهجس ولست متيقناً بعد من طريقة استعادة المثل القديمة، أو فلنسمها هنا السمات القديمة في التعاطي مع الحياة مالياً، ومع المعيشة تنظيمياًَ، بطريقة تحطم بعض الأوثان التي نشأت طفيلياً في ثنايا تفاصيل المعيشة اليومية باعتبارها عادات ومظاهر استنزفت جيوب الناس لأسباب واهية في مقدمها المحاكاة، والاتكاء على الآخر الذي هو غالباً عمالة أجنبية في تنفيذ كثير من الأشياء البسيطة. نبهني صديق غير سعودي إلى أن غالبية الرجال في السعودية لا يحلقون ذقونهم بأنفسهم! بل يقوم الحلاق بذلك بمبلغ يبدأ من أربعة دولارات يرتفع بارتفاع المكان، مكان الحلاق، والمكانة، مكانة الزبون. وغالبية النساء لا يستطعن ثني فستان أو سروال صغير لأطفالهن، ويذهبن إلى الخياط ويدفعن نحو خمسة دولارات للغرض نفسه، ثم ساق ملاحظة عابرة: «تأمل في المنتظرين عند صالون الحلاق واحسب نسبة غير السعوديين من بينهم!». المثالان صغيران قياساً إلى عمق مفهوم التحول الذي ننشده في اقتصادنا الكلي ونمط إنتاجنا وما سيترتب عليهما من تحولات اجتماعية، وربما ثقافية، إذا أمعنت في التفاؤل، لكنها لو جمعت بكثير من الأمثلة التي باتت بمثابة القشور والأغلفة التي أحطنا بها حياتنا وتلبية حاجاتنا، ثم قمنا بتقشيرها وإزالتها بحثاً عن الجذور الأصلية، فكيف كنا سنعيش، أو دعني أقول كيف يجب أن نعيش فعلاً، لاكتشفنا ليس فقط حجم الوفر المالي الذي سنجنيه، ولكن أيضاً حجم الثقة بأنفسنا التي فقدناها إلى درجة شراء القهوة العربية جاهزة ومعبأة في «ترامس» من مولات ومقاهٍ تدعي استعادة التراث السعودي انتشرت كانتشار النار في الهشيم في شوارعنا. الناس تهمس أن القضاء على الفساد والمحسوبية يأتي أولاً لترشيد الإنفاق، وهم محقون، والحكومة تخطو بقوة في هذا الاتجاه، وهي خطوات كبيرة بطيئة لطبيعة تنفيذها، فلنقاربها بخطوات صغيرة وسريعة. صديقي السعودي «المتحول» الذي سأتحدث عنه كثيراً في المستقبل يشذب لحيته مرتين في الأسبوع بقيمة 20 ريالاً في كل مرة، اكتشف أن قيمة الماكينة التي يستخدمها الحلاق 70 ريالاً، إذا كانت صناعة صينية، و180 ريالاً للأوروبية واليابانية، اشترى الصينية، وهو يقول باسماً: سأنتظر واحدة كتب عليها «صنع في السعودية».

مشاركة :