عندمـــا أشتكي ككاتب، أو أنتقد، فأنا أقدم للمسؤول جزءاً مـــن هموم المجتمع، بحثاً عن قرار أو إصلاح يقوم به، لكن عـــندما يشتكي الوزير من وزارته، أو ينتقد أداءها فهو يأخذ مهمـــتــي إلى حد ما، ولعلني آخذ هنا مهمته التنفيذية وصلاحياته فـــي منــاورة إعلاميــــة بدأها وزير التعليم السعودي أحمد العيسى بمقاله المثير للجدل في «الحياة» هذا الأسبوع. سأبدأ من أصغر التفاصيل، إذ اشتكى الوزير من التغيب غير المبرر وتراخي المعلمين والإداريين وبالتأكيد الطلاب، ولعله يشير إلى فترات ما قبل وما بعد الإجازات، وهذه جزئية أستغرب أن يشتكي منها لأن حلها بسيط جداً وطبقته مدرسة أهلية «لبنانية» شهيرة في الرياض، حيث تجدول الاختبارات الشهرية في الأيام الأخيرة قبل الإجازة، ولا تقبل تأجيلها، فلا يتغيب أحد. تذمر الوزير من ارتفاع الرواتب والأجور، وهناك أسباب كثيرة وراء ذلك أهمها وجود نسبة غير يسيرة من موظفي وزارته على كادر التعليم والتدريس من دون أن يمارسوا التعليم، وهم مفرغون لأعمال أخرى، أكثرها غير مهم، ولأن كادر التعليم أعلى من الكادر الوظيفي العادي لجهة الأجور يحرص الكثيرون عليه، وهناك محاباة كثيرة وكبيرة في هذا المجال يمكنه القضاء عليها فوراً. أيضاً هناك قوى عاملة زائدة وكبيرة في وزارته يمكن الاستعاضة عنها بالتقنيات الحديثة. المباني المستأجرة وغير الصالحة وأراضي المدارس ملف عتيق، لكنه إذا أراد حسماً يمكنه انتقاء عشرة عقود استئجار عشوائية وعرض أسعارها على مقوّمين عقاريين محايدين وستذهله النتيجة، كما يمكنه مراجعة عشرين عملية شراء لأراض بغرض بناء المدارس، خصوصاً في المدن المتوسطة، وسيجد العجب العجاب في الأسعار، وهو سيفهم، كما ستفهم «نزاهة» ما الذي حدث. أما حزنه بسبب وجود 30 ألف طلب إجازة استثنائية أو أمومة سنوياً، فهذا لا يحتاج إلا إلى صرامة، وعلى الناس فعلاً، خصوصاً السيدات، الاقتناع بأن المرأة العاملة لا يمكن أن تكون كغيرها تفرخ سنوياً، وتود الاحتفاظ بالراتب والسمة الاجتماعية الغالبة، وعلى الوزير هنا فقط التشدد في ذلك، لأن هذا ليس فقط عبئاً ادارياً بل هو أحد أسباب ارتفاع عدد المعلمات والمعلمين، وارتفاع موازنة الرواتب في الوزارة، أو كما قال الوزير «ارتفاع كلفة الطالب جداً مقارنة بالدول الأخرى». الحق أن كثيراً من التكاليف مرتفعة جداً في السعودية قياساً بالدول الأخرى، المتر المكعب أو المربع الإنشائي في المشاريع، متر الإسفلت في الطرق، سعر متر الأرض، وسعر الغذاء إجمالاً، وسعر كلفة الاستقدام وغيرها. منظــومة الخــدمات مـــن نـقل وتــغذية وصيانة ونظافة وأمن وسلامـــة تحـــدث الوزيــــر عــــن ضعفها في بلد غني وأحسب هـــذه أيضاً سهلة تنفيذياً على وزير يستطيع اتخاذ قرار جريء. هذه الجوانب التي تحدث عنها ككاتب ويفترض أنه كوزير يملك زمامها الفوري، لكنه تحدث عن بضعة أمور عميقة ومهمة كمـــا يليـــق بوزيـــر شجاع وهي في الحقيقة المشكلات الأساسية التي طالما طاولها التغييب المتعمد، وسيتصل الحديث عنها. تقوية التعليم ومخرجاته قوة للسعودية، وضعفه إضعاف لها، أثق بأن الوزير ومن خلفه القيادة، لن يرضوا به أبداً.
مشاركة :