أين تجلس مخلوقاتنا الفضائية؟ - د. هتون أجواد الفاسي

  • 1/17/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

"أصرت عضوتان على الجلوس عند طاولة الرجال وسط مشادات كلامية في بلدي جدة"، بهذا العنوان تصدرت جريدة الاقتصادية صفحة محليات يوم الاربعاء 7يناير 2016 وشبيهاً بها عدد من صحفنا، بعد يوم من أول اجتماعات المجلس البلدي لمدينة جدة لدورته الثالثة وقادت الخبر الصحفية رنا حكيم التي رصدت الحدث، مع عنوان مثير للجدل، تسمية طاولة المجلس البلدي ب"طاولة الرجال"! ذكرني موضوع أين تجلس النساء بقصة سبق أن سردتها في مقال حول إشكالية بعض العقليات والنفوس غير السوية مع تجليس النساء خارج أي نطاق مرئي أو مسموع، "مقعد روزا باركس ومقعد الأندية السعودية". لكن بالطبع هذا أمر ذو خصوصية بالمرأة السعودية ونظرة الرجل لهذه المرأة الكائن الفضائي المريخي، أتجلس في المقدمة أم في المؤخرة، في السطح أم في القبو؟ كما كنا سابقاً في مقالة"معيّنات المجلس البلدي وتساؤلات مشروعة" قد تناولنا موضوع مشاركة المرأة العامة التي فصل وقال قولته فيها مجلس الشورى، الذي هو أعلى مؤسسة في الدولة تمثل فئات المجتمع وتقدم مشورتها إلى رأس الدولة، ويتشكل مجلسه في مشاركة كاملة من النساء والرجال في ومن نفس القاعة حيث يمارسن حقاً عاماً. وهذه هي المشاركة التي اعتدناها مراراً وتكراراً من قيادتنا وفي لقاءاتها المختلفة مع النساء من قطاعات الدولة المختلفة ممثلة بولي الأمر خادم الحرمين الشريفين وما يليه وتبعه من قيادات الدولة من أصحاب السمو الأمراء والمعالي الوزراء، وهي أن مشاركة النساء العامة كما الرجال العامة، هي مشاركة إنسانية نتعامل فيها مع الإنسان وليس مع غرائزه التي نتركها للخاص وللمنزل الذي ليس له مكان في هذا المجلس. ولماذا كلما تعرض الموضوع لمشاركة النساء العامة نتذكر كافة الغرائز والشهوات؟ ففي حين مرت أمور اجتماع معظم المجالس البلدية ال 248 الجديدة في مناطق المملكة بكل هدوء وسط تخصيص مكان جانبي في غرفة جانبية بمصعد جانبي وبشاشة تلفزيونية أو مجرد هاتف وسماعات تحضر فيها النساء، اجتمع مجلس بلدي القطيف على طاولة واحدة، وخيّر مجلس بلدي جازان العضوتين بين الجلوس على طاولة واحدة أو في غرفة أخرى، فاختارتا القاعة الأخرى، وفي التخيير احترام لقرار المرأة الذي يختلف من منطقة لأخرى. بينما في جدة لم يكن الأمر متروكاً للخيار كما في جازان ولا للمتوقع كما في القطيف، بل تمت محاولة فرض أمر واقع على العضوتين المنتخبتين بالجلوس في غرفة زجاجية مثلجة بنيت خصيصاً لهما، وهو اختراع لعمري فريد وفرته لنا التكنولوجيا المارقة. وبشجاعة وإدراك لحقهن الإنساني واستحقاقهن الوطني، لم تقبل نساء جدة بعودتهن إلى المربع الأول ورفضن التحرك من على الطاولة التي يتم عليها اتخاذ وإصدار القرارات وإدارة الأعمال البلدية وهن قد انتُخبن على قدم المساواة مع جميع الأعضاء المنتَخبين بدون منّ ولا مجاملة. وكانت قصة تثير الشفقة على الرجال الذين يتلونون ويسجلون نقاط نفاقهم دون تحرج وهم يقابلون النساء في كل مكان وعندما يأتي الأمر إلى الجلوس على طاولة اجتماعات حيث تتبين فيها مقاليد السلطة والمشاركة الفاعلة، يستشعر هؤلاء الرجال بالتهديد القادم، فيحولون العلاقات الإنسانية العامة إلى علاقات شخصية منزلية. وفي كل مناسبة نعيد ونزيد، ونكرر التذكير بالأمثلة من السنة النبوية المشرفة ومن التراث الإسلامي القديم والقريب عن مشاركة النساء في الحرب والسلم، في المشورة وفي الحكم، في الشأن العام والخاص، في العلم والحديث، في التدريس والإجازة، في الرواية والكتابة، وما زال الكثيرون يتجاهلون هذه المعرفة ليقدموا عليها مفهوماً جاهلياً لصورة المرأة ومكانتها مشيّئين لها بشكل مهين، مشككين في أهليتها وفي قدرتها على إحداث أي تغيير لم ينجح فيه الرجال، واضعين تجربة الرجال كمعيار لنجاحنا من عدمه. كتب وسيكتب الكثيرون في هذه القصة التي أضاعت الطريق والوقت عن أن تركز هؤلاء النساء المنتخبات في برامجهن التي يطمحن إلى أن تضيف إلى خبرة المجالس البلدية وخدمة مواطنيهن. ومن الواضح أن هناك من له مصلحة في هدر وقت الوطن وأحبار الأقلام وأنفاس النساء وعزمهن حتى ننشغل فيما يعتبر تفاهات في منظور التاريخ على حساب بناء المجتمعات والأوطان. لكن على صعيد آخر، كان في استقبال صاحب السمو الملكي، أمير منطقة مكة ومستشار خادم الحرمين الشريفين، الأمير خالد الفيصل عضوات وأعضاء المجلس البلدي في قصره بعد اجتماع المجلس الأول والكلمة التي ألقاها في دعوتهم إلى "العمل بجد للنهوض بالمدينة وتحقيق تطلعات سكانها"، رسالة واضحة وكلمة فصل، موجهة لكافة المجالس، بأن المرأة عضوة لا تتجزأ من الفضاء العام المنتج والقائد لمسيرة الوطن القادمة. لمراسلة الكاتب: halfassi@alriyadh.net

مشاركة :