هل لك أن تتخيل اتفاق الصين والولايات المتحدة على كيفية إدارة منصة يجري من خلالها تبادل عملات بنكيهما المركزيين الرقمية؟ هل لك أن تتخيل الاتفاق بين 120 بنكا مركزيا؟ مع ذلك، يتمثل دافع آخر وراء التدافع لإصدار عملات البنوك المركزية الرقمية في اعتقاد مشوش بأن الصدارة المالية بل حتى الجيوسياسية ستعتمد على أي البنوك المركزية أسرع في إصدارها. يعمل على تشجيع هذا الرأي التوترات الاقتصادية والسياسية بين الولايات المتحدة والصين، وتحرك الصين السريع نحو إصدار عملة رقمية من بنكها المركزي، وهو ما يعد تهديدا لهيمنة الدولار. لكن هذه الحجة تفترض أن عملات البنوك المركزية الرقمية ستستخدم عبر الحدود وأنها ستحل محل السوق الدولية بين البنوك كأداة للمعاملات الدولية. لكن نظرا إلى العقبات السياسية التي قد تعرقل منصة تداول مشتركة لعملات مختلفة صادرة عن البنوك المركزية، فمن غير المرجح أن تكون هذه هي الحال. في النهاية، تواجه البنوك المركزية "معضلة ثلاثية" عندما تفكر في إصدار عملات البنوك المركزية الرقمية. فهي من الممكن أن يكون لديها شيئان فقط من ثلاثة أشياء، عملة رقمية، وسرية المعاملات، والاستقرار المالي. عندما تصدر البنوك المركزية الأوروبية عملات رقمية، يتعين عليها أن تحترم لائحة حماية البيانات العامة في الاتحاد الأوروبي، وهو قانون خصوصية البيانات الأكثر صرامة في العالم. فإذا أصدرت عملات رقمية من خلال وسطاء مرخصين، فسيتمتع مستخدموها بالسرية. لكن السلطات ستكون بذلك محدودة القدرة فيما يتصل بتتبع المعاملات التي تستخدم عملات بنوكها المركزية الرقمية. يتمتع الأشخاص الذين يستخدمون العملة في معاملاتهم بالفعل بتجهيل هوياتهم بالطبع، لكن المرء يستطيع أن يتخيل معاملات أخرى تتضمن تحويلات مصرفية تنفذ باستخدام عملات البنوك المركزية الرقمية بدلا من ذلك. ويخشى القائمون على البنوك المركزية وآخرون أن تعمل البنوك التجارية بلا وسيط ـ أي أن تتحول المعاملات المنجزة عن طريق التحويلات المصرفية إلى عملات البنوك المركزية الرقمية. ومع سرية المعاملات، قد يسمح هذا للمخاطر المالية واختلالات التوازن بالتراكم بعيدا عن أنظار الهيئات التنظيمية. لهذا السبب، كان البنك المركزي الأوروبي حكيما في التحرك ببطء في اتجاه إصدار عملات البنك المركزي الرقمية. بنك الشعب الصيني ليس ملزما بفرض السرية. فعند تنزيل محفظة رقمية قادرة على إجراء معاملات غير محدودة، فإن هذا يتطلب الحصول على معلومات شاملة من المستخدم. وعند تنزيل محفظة محدودة قادرة على إجراء معاملات التجزئة الصغيرة، يطلب البنك فقط رقم هاتف المستخدم المحمول، ويتعهد، وهو التعهد الذي قد يكون بلا قيمة، بعدم تتبع معاملاته. ينبغي لهذه التدابير أن تمنع الأفراد من استخدام عملة الرنمينبي الرقمية للتهرب من ضوابط رأس المال في الصين، وإخراج مبالغ ضخمة من البلاد خلسة، والتصرف بأي طريقة أخرى تهدد الاستقرار المالي. لكن هل يثق الناس بعملة البنك المركزي الرقمية التي تصدرها الصين؟ في ضوء هذه الشروط، سينبئنا الوقت فقط بذلك. الواقع أن التمويل الدولي، كما يعلم الباحثون في اقتصاد التبادل، مشحون بالمعضلات الثلاثية. وبدلا من تفادي هذه المعضلات، لن تعمل عملات البنوك المركزية الرقمية إلا على إيجاد معضلة أخرى. خاص بـ "الاقتصادية" بروجيكت سنديكيت، 2022.
مشاركة :