انعدمت الحدود بين العالم والجاهل ..علم الاجتماع من ابن خلدون إلى «تويتر»!

  • 11/28/2022
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

مع تقدم التكنولوجيا، باتت السيطرة على ما تبثه مواقع التواصل الاجتماعي، الذي أصبح جزءاً من الحياة، شبه مستحيلة؛ حيث لا يمكن الحد من هذا الكم الهائل من التنظير في جميع مناحي الحياة، وبالأخص الاجتماعية منها، التي أثرت بشكل مباشر في تماسك الأسر وعقول الشباب، فكثُر المحتوى الذي يبرز متخصصاً واحداً في مواضيع مختلفة، فما عدنا قادرين على الانتقاء لعدم ثقتنا في أهلية أغلب المتكلمين. خبراء ومتخصصون يتحدثون عمّا تزدحم به مواقع التواصل الاجتماعي من آراء لمتخصصين لا علاقة لهم بالاختصاص الذي يدّعون.أعدّت الملف | لينا الحوراني Lina Alhorani تصوير | محمد فوزي Mohamed Fawzy الرّياض | عبير بوحمدان Abeer Bu Hamdan جدّة | أماني السّراج Amani AL Sarraj المغرب | سميرة مغداد Samira Maghdad تونس | مُنية كوّاش Monia Kaouach بيروت | عفّت شهاب الدين Ifate Shehabdine القاهرة | أيمن خطّاب Ayman Khattab عرَّفت فوز بن عبود، مستشارة اجتماعية، علم الاجتماع بأنه علمٌ شمولي، يدرس نشأة وتأثير جميع العلوم الإنسانية النظرية والتطبيقية، والأنشطة المهنية الحرفية في المجتمعات البشرية، ويهدف إلى تحقيق جودة الحياة. أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي شريكاً في حياة الفرد، ومن خلالها نكتسب المعرفة ونعبر عن آرائنا بحرّية، كما حققت نوعاً من التواصل الأسري والاجتماعي، وقد لمسنا ذلك خلال جائحة كورونا، تستدرك فوز: «لكنها تسرق الوقت عند الإدمان عليها، وتُسبِّب رهاباً اجتماعياً للأطفال، وفقداناً للقدرة على تكوين الصداقات لدى الشباب، فهي تبرمج عقليات بعضهم، وتوهمهم بأن الشهرة والثراء مصادرهما الابتذال، وتبسيط الرذائل، وتبثُّ روح العنف في نفوس الأطفال والشباب، وتزيد التنمُّر والسخرية والانتقاص من الآخر. كما أنها تبثُّ الذعر والتخويف من خلال بعض البرامج الروائية القصصية الترهيبية، وأخبار الجرائم». «أخبرني مَن تتابع أخبرك من أنت؟»، هي جملة وصلت بها فوز إلى زبدة نصائحها، تستدرك قائلة: «كل متابعٍ سيحاكي ويقلِّد مَن يتابعه عاجلاً أو آجلاً، فتكوين صداقات بين الأهالي وأبنائهم، وتنويرهم من قبل المعلمين هو السبيل الوحيد للسيطرة على ما تنتجه وسائل التواصل الاجتماعي. أما المؤثرون من المستشارين الاجتماعيين والأسريين والاختصاصيين النفسيين، فعلى عاتقهم يقع رفع مستوى الوعي عند أطفالنا وشبابنا، وإنقاذ عقولهم وحياتهم من الغزو الفكري والأخلاقي». يطلق عبد الرحمن القراش، باحث اجتماعي، على علم الاجتماع، «خريطة طريق» تسهم في إيضاح الحقائق لأي مجتمع، ويمس بالدرجة الأولى كيان الأسرة بكل مضامينها الأخلاقية والمادية والفكرية. يتطرق القراش إلى مخاطر التنظير في قضاياه من دون معرفة على مواقع التواصل، فالسمة الغالبة من المتحدثين هم أشخاص غير متخصصين، يتكلمون تحت ذريعة حرية الرأي، يتابع القرّاش: «متابعتهم عبر (الموبايل) كانت سبباً في شهرة الكثير منهم، وليس التعليم والشهادات، أو الرأي العلْمي المعتبر، أو الشرعي الصحيح؛ ما جعلهم يتقدّمون على النخبة بالتهريج». أثارت هذه الفئة، برأي القراش، الرأي العام، وقسّمت المجتمع، يستدرك قائلاً: «ليس بأسلوب محترم، وإنّما بقدحٍ وذمّ وتراقص على المشاعر، بحثاً عن التصفيق، من خلال الحديث عن قضايا المجتمع وهمومه، التي يجب أن تكون تحت إشراف المتخصصين الحقيقيين؛ لأن أي انحراف عن الطريق الصحيح سينعكس بالتالي على النشء والبيئة والمجتمع، وسوف يخرج جيل قد اكتسب أفكاراً منحرفة». يدعو القراش المجتمع إلى تجاهل تلك الأحاديث التي يتناقلها البعض من خلال مواقع التواصل، التي قيلت في ظروف محددة لا يمكن أن تطبق على المجتمع كله عبر أشخاص غير مختصين وتم تضخيمها ونشرها، يعلّق قائلاً: «ألغوا متابعتكم لمن يؤثر في الرأي العام بسوء». يذكر القراش المتابعين ببيان صدر عن النيابة العامة في السعودية مفاده أنّ إنتاج، أو إعداد، أو إرسال، أو إعادة إرسال كل ما من شأنه إثارة الرأي العام والمساس بالنظام، عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي أو الشبكة المعلوماتية، جريمةٌ معلوماتيةٌ، وأنّ مرتكبها يعاقب بالسجن مدة تصل إلى خمس سنوات، وبغرامة تصل إلى ثلاثة ملايين ريال. تابعي المزيد: في يومه العالمي تحديات المعلم أمام أجيال العصر الرقمي صفية الشحي، إعلامية وكاتبة، لها تجاربها في إعداد وتقديم برامج تلفزيونية، وهي انتقائية في اختيار ضيوفها في برامجها التي تميل إلى الطابع الثقافي، لها رأي قدمت فيه إضاءة على ما يحصل في الإعلام المرئي، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي. تلفت صفية إلى أننا في هذا الوقت نلاحظ محاولة الكثير من البرامج التلفزيونية والمنصات الجري وراء استقطاب المتحدثين في مجالات مختلفة بغرض نشر التوجيه والتوعية، تستدرك صفيّة: «لكن السؤال المطروح هو حول المصداقية وجودة الطرح، فأحد العناصر التي تتداخل مع هذا النوع من الاستضافات هو شهرة الضيف، وعدد المتابعين والمحبين؛ الأمر الذي تتعامل معه المنصات المختلفة بصفتها قيمة مضافة ترفع من أعداد المشاهدين وتقوم بإحداث الضجة المطلوبة». أما وسائل التواصل الاجتماعي، فهذا ميدان آخر انتقدته صفية، وقالت: «يهاجمنا انتشار واسع للكثير من الآراء التي لا تمثل سوى أصحابها بصفتها حقائق، لنكتشف بعدها أن الشخص لا يملك ما يؤهله لتقديم معلومات كتلك.. يؤثر ذلك بشكل كبير في سلامة الأفراد في أحيان كثيرة، وفي أحيان أخرى بمستوى ثقتهم بالمحتوى». تفترض صفية خطوة مهمّة، على كل مقدم محتوى في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، عدم تجاوزها وتجاهلها، وهي تتعلق بالبحث ودراسة خلفيات الشخصيات المستضافة، والتأكد من جودة المحتوى، تعلّق قائلة: «يجب إعطاء أهمية أكبر للقيمة، من دون أن يطغى عليها حب الانتشار وعدد المشاهدات». تابعي المزيد: في أكتوبر.. شهر التوعية بسرطان الثدي أطباء وناجيات: الدعم النفسي يحقق المعجزات تجد د. كريمة الوزاني، أستاذة علم الاجتماع بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان، أن عالم الاجتماع أصبحت صفة من غير تحديد، إلى أن وصلنا إلى علم الاجتماع الرقمي الذي بدأت رقعته تتسع ورواده يتناسلون في كل حين. أصبح الباحثون يصرحون لهذا المنبر أو ذاك حول موضوع محدد، حتى تعودت بعض المنابر على دعوة هؤلاء من أجل الإحاطة ورفع الغبار عن إشكاليات هذا الملف أو ذاك. بطبيعة الحال، تستدرك د. كريمة: «لكن هل هذا دليل على ازدهار علم الاجتماع في العالم العربي؟ أم أن علم الاجتماع أصبح أداة في كثير من المنابر من أجل تحديد أهداف أيديولوجية لمرحلة من المراحل». تعطي د. كريمة لعلم الاجتماع وجهين، وجه الانتعاشة ورفع الحظر عنه، بعد وصفه لسنوات علماً مشاغباً ويجب إقصاؤه من الحضور المؤسسي كما ينبغي إقصاؤها من الفضاء العام، تتابع قائلة: «الوجه الثاني هو أن الكيف لا يمكن أن يتوازن مع الكم، لذا فليس كل من تحدث في موضوع ما وبمنبر ما سواء كان ورقياً أو رقمياً بأنه يمثل علم الاجتماع وخصوصياته المعرفية، كما يحصل الآن بسبب أن العملة الجيدة قد تطرد العملة الرديئة كما يقول أهل الاقتصاد». برأي د. كريمة أن هذا الصخب السوسيولوجي قد يعيش فترة ثم يتوارى، فالهدر الكلامي زمنه قصير. لا تستند مواقع التّواصل الاجتماعي إلى خلفيّة معرفيّة أو حقائق علميّة، حيث تنتفي فيها قواعد التّنظير والضّوابط، ولا تمتّ بصلة لعلم الاجتماع. برأي محمّد جويلي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة تونس، ومدير عام سابق للمرصد الوطني للشّباب. يرى جويلي أن علماء الاجتماع استفادوا أيضاً من هذه المواقع التي فتحت لهم أبواباً جديدة ليتوجّهوا إلى العموم، ويعرضوا عليهم أبحاثهم ومحاضراتهم عبر اليوتيوب، يتابع قائلاً: «يستحيل التحكّم في تقنيات الاتصال ووسائل التّواصل الاجتماعي، فهي برمجيات عالمية، إلّا أنّه ممكن جدّا الحدّ من تأثيرها والاستفادة من إيجابياتها؛ ذلك باتخاذ إجراءات حمائية ووقائيّة، أهمّها مراقبة الآباء للمضامين والمحتويات التي تشّدّ انتباه أبنائهم من النّاشئة أو الشّباب، ومراقبتهم إذا كانوا يتابعون صفحات مشبوهة، تحرّض مثلاً على العنف والكراهيّة والشتيمة، أو تدعو إلى الجريمة «السيبرانية»، أو تنشر الإشاعات وتنتهك الأعراض». يضع جويلي المسؤولية على الآباء في تعويد أبنائهم على مضامين واقعيّة تعود عليهم بالفائدة، مثل الرياضة أو الموسيقى، مع تحديد المساحة الزّمنية لاستخدام هذه الوسائط التكنولوجيّة، فلا يتركونهم أمام جهاز الحاسوب وقتاً طويلاً؛ لأنّ الاستعمال المفرط يؤدّي بهم إلى الإدمان، ويفصلهم عن العالم الواقعي، فيصبحون ميّالين للانزواء، كما أنّ على الإعلام التّقليدي إعداد برامج تتماشى مع قناعات الشّباب وخياراتهم لتستهويهم وتشدّ انتباههم، يعلّق قائلاً: «لا بد من إضافة مادّة جديدة تدرّس في المدارس لتربية النّاشئة على التعامل مع الوسائط الرقميّة». تابعي المزيد: في اليوم العالمي للمرأة الريفية..نساء الزراعة حكاية حب للأرض والطبيعة تشير سمر بولس، رئيسة جمعية المساعدين الاجتماعيين في لبنان، ومدرّبة في قسم الإشراف الصحي الاجتماعي، إلى أن علم الاجتماع يعتمد على مقاربات تشاركية تمكينية، ترتكز على البحث عن نقاط القوة والضعف لفهمها وتخطّيها. ترى سمر أن وسائل التواصل وضعت الناس تحت مجهر الحقيقة التي جعلت نظرة الطرف الآخر تحمل أحكاماً مسبقة تضع الناس والمجتمعات في خانات موجعة في بعض الأحيان، ومؤذية في الكثير منها، تتابع قائلة: «أصبح متاحاً لجميع الناس من مختلف الأعمار والخلفيات العلمية أن يطرحوا أنفسهم بوصفهم أفراداً مؤثرين، ويحللون الإشكالات بشكل جدّي أو ساخر، ويعطون أحكامهم واستنتاجاتهم، غير الموثقة، التي تؤثّر في مواقف روّاد مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيّما الأطفال والشباب منهم»، تتابع سمر: «انتحال المؤثرين لصفة «متخصص اجتماعي»، وغياب مقاربات التحليل العلمي للقضية، يؤديان إلى اختلاط المفاهيم في عقول متابعي مواقع التواصل الاجتماعي.. فإذا أخدنا مثالاً إشكالية «الزواج المبكر لدى الأطفال»، فإن طرح هذه الإشكالية علناً، بحاجة إلى ربطها بالأزمات الاقتصادية المتتالية، والثقافة المجتمعية، إضافة إلى القوانين المحلية المؤثرة». تتساءل سمر: «هل أصبح علم الاجتماع وسيلة لتعميم مفاهيم معلّبة من الخارج وغير ملائمة مع مجتمعاتنا؟ هل نستطيع بوصفنا متخصصين اجتماعيين، وفي ظلّ جميع الأزمات الاجتماعية لعب دورنا في إعادة بلورة المفاهيم في أذهان الناس بشكل علمي يعمل على طرح البدائل؟ هل يجب التفكير في تطوير دورنا للتواصل مع هؤلاء المؤثرين والتعاون معهم»؟ تكمن أهمية علم الاجتماع، في الحفاظ على التماسك الأسري لمعالجة المشكلات الفردية، ويوضح أهمية دور الأسرة في توجيه وضبط السلوك الذي يؤثر في حياة الأفراد، كما تحدد د. أسماء مراد، أستاذة علم الاجتماع. يمثل علم الاجتماع قوة لجعل الناس أكثر وعياً ونشاطاً؛ لأنه يحافظ على السكن المشترك، والتعاون الاقتصادي، ويهتم بالعلاقات الأسرية، وأهمها التي تخص الزواج والطلاق، تتابع د. أسماء: «في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت مفروضة علينا جميعاً، لا بد من اتباع الطريقة الصحيحة لاختيار المفيد للأفراد، أما التعامل الخاطئ مع ما تحتويه مواقع التواصل الاجتماعي، فبالتأكيد هو مصدر ضرر على المجتمع والأسرة». أشارت د. أسماء إلى أن مواقع التواصل تعمل على تنمية الذات لدى الفرد، وفسح المجال للتواصل مع الآخرين، من الأهل البعيدين والأصدقاء، تعلّق قائلة: «هي منصة للإعلام والمعرفة والتسوق الإيجابي، لكن المشكلة في بروز بعض المنصات التي تحرض على العنف أو التطرف أيضاً، كل هذا يعتمد على طريقة استخدام التواصل عند الأفراد، الذي يوصلهم بالفضاءات الإيجابية، أو يؤثر فيهم ويتحكم في ميولهم بشكل سلبي، كما أنّ الاستخدام المعتدل لمواقع التواصل يصقل خبراتنا». تنوه د. أسماء إلى تدخل غير المتخصصين في الإدلاء بآراء أدت إلى تفاقم المشكلات، في ظل عدم قدرتنا على التحكم في هذه المواقع، تستدرك قائلة: «المتخصصون وحدهم هم المؤهلون لحل المشكلات، ونشر رسائلهم وحلولهم القابلة للتطبيق وتحليل الحقائق كما هي». تابعي المزيد: في يومه العالميّ التراث السمعي والبصري نافذتنا إلى الشعوب مع تقدم التكنولوجيا، باتت السيطرة على ما تبثه مواقع التواصل الاجتماعي، الذي أصبح جزءاً من الحياة، شبه مستحيلة؛ حيث لا يمكن الحد من هذا الكم الهائل من التنظير في جميع مناحي الحياة، وبالأخص الاجتماعية منها، التي أثرت بشكل مباشر في تماسك الأسر وعقول الشباب، فكثُر المحتوى الذي يبرز متخصصاً واحداً في مواضيع مختلفة، فما عدنا قادرين على الانتقاء لعدم ثقتنا في أهلية أغلب المتكلمين. خبراء ومتخصصون يتحدثون عمّا تزدحم به مواقع التواصل الاجتماعي من آراء لمتخصصين لا علاقة لهم بالاختصاص الذي يدّعون.أعدّت الملف | لينا الحوراني Lina Alhorani تصوير | محمد فوزي Mohamed Fawzy الرّياض | عبير بوحمدان Abeer Bu Hamdan جدّة | أماني السّراج Amani AL Sarraj المغرب | سميرة مغداد Samira Maghdad تونس | مُنية كوّاش Monia Kaouach بيروت | عفّت شهاب الدين Ifate Shehabdine القاهرة | أيمن خطّاب Ayman Khattab من الرياض فوز بن عبود:   فوز بن عبود أنقذوا العقول من الغزو الفكري والأخلاقي عرَّفت فوز بن عبود، مستشارة اجتماعية، علم الاجتماع بأنه علمٌ شمولي، يدرس نشأة وتأثير جميع العلوم الإنسانية النظرية والتطبيقية، والأنشطة المهنية الحرفية في المجتمعات البشرية، ويهدف إلى تحقيق جودة الحياة. أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي شريكاً في حياة الفرد، ومن خلالها نكتسب المعرفة ونعبر عن آرائنا بحرّية، كما حققت نوعاً من التواصل الأسري والاجتماعي، وقد لمسنا ذلك خلال جائحة كورونا، تستدرك فوز: «لكنها تسرق الوقت عند الإدمان عليها، وتُسبِّب رهاباً اجتماعياً للأطفال، وفقداناً للقدرة على تكوين الصداقات لدى الشباب، فهي تبرمج عقليات بعضهم، وتوهمهم بأن الشهرة والثراء مصادرهما الابتذال، وتبسيط الرذائل، وتبثُّ روح العنف في نفوس الأطفال والشباب، وتزيد التنمُّر والسخرية والانتقاص من الآخر. كما أنها تبثُّ الذعر والتخويف من خلال بعض البرامج الروائية القصصية الترهيبية، وأخبار الجرائم». المحاكاةُ والتقليدُ «أخبرني مَن تتابع أخبرك من أنت؟»، هي جملة وصلت بها فوز إلى زبدة نصائحها، تستدرك قائلة: «كل متابعٍ سيحاكي ويقلِّد مَن يتابعه عاجلاً أو آجلاً، فتكوين صداقات بين الأهالي وأبنائهم، وتنويرهم من قبل المعلمين هو السبيل الوحيد للسيطرة على ما تنتجه وسائل التواصل الاجتماعي. أما المؤثرون من المستشارين الاجتماعيين والأسريين والاختصاصيين النفسيين، فعلى عاتقهم يقع رفع مستوى الوعي عند أطفالنا وشبابنا، وإنقاذ عقولهم وحياتهم من الغزو الفكري والأخلاقي». من جدة عبد الرحمن القرّاش:   عبد الرحمن القرّاش فئة أثارت القدح والذمّ والتراقص على المشاعر يطلق عبد الرحمن القراش، باحث اجتماعي، على علم الاجتماع، «خريطة طريق» تسهم في إيضاح الحقائق لأي مجتمع، ويمس بالدرجة الأولى كيان الأسرة بكل مضامينها الأخلاقية والمادية والفكرية. يتطرق القراش إلى مخاطر التنظير في قضاياه من دون معرفة على مواقع التواصل، فالسمة الغالبة من المتحدثين هم أشخاص غير متخصصين، يتكلمون تحت ذريعة حرية الرأي، يتابع القرّاش: «متابعتهم عبر (الموبايل) كانت سبباً في شهرة الكثير منهم، وليس التعليم والشهادات، أو الرأي العلْمي المعتبر، أو الشرعي الصحيح؛ ما جعلهم يتقدّمون على النخبة بالتهريج». أثارت هذه الفئة، برأي القراش، الرأي العام، وقسّمت المجتمع، يستدرك قائلاً: «ليس بأسلوب محترم، وإنّما بقدحٍ وذمّ وتراقص على المشاعر، بحثاً عن التصفيق، من خلال الحديث عن قضايا المجتمع وهمومه، التي يجب أن تكون تحت إشراف المتخصصين الحقيقيين؛ لأن أي انحراف عن الطريق الصحيح سينعكس بالتالي على النشء والبيئة والمجتمع، وسوف يخرج جيل قد اكتسب أفكاراً منحرفة». ظروفٌ محددةٌ يدعو القراش المجتمع إلى تجاهل تلك الأحاديث التي يتناقلها البعض من خلال مواقع التواصل، التي قيلت في ظروف محددة لا يمكن أن تطبق على المجتمع كله عبر أشخاص غير مختصين وتم تضخيمها ونشرها، يعلّق قائلاً: «ألغوا متابعتكم لمن يؤثر في الرأي العام بسوء». يذكر القراش المتابعين ببيان صدر عن النيابة العامة في السعودية مفاده أنّ إنتاج، أو إعداد، أو إرسال، أو إعادة إرسال كل ما من شأنه إثارة الرأي العام والمساس بالنظام، عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي أو الشبكة المعلوماتية، جريمةٌ معلوماتيةٌ، وأنّ مرتكبها يعاقب بالسجن مدة تصل إلى خمس سنوات، وبغرامة تصل إلى ثلاثة ملايين ريال. تابعي المزيد: في يومه العالمي تحديات المعلم أمام أجيال العصر الرقمي من الإمارات صفية الشحّي:   صفيّة الشحّي   صفيّة الشحّي: لا بدّ من دراسة خلفيات الشخصيات المستضافة والتأكّد من جودة المحتوى كثرت الآراء التي لا تمثل سوى أصحابها صفية الشحي، إعلامية وكاتبة، لها تجاربها في إعداد وتقديم برامج تلفزيونية، وهي انتقائية في اختيار ضيوفها في برامجها التي تميل إلى الطابع الثقافي، لها رأي قدمت فيه إضاءة على ما يحصل في الإعلام المرئي، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي. تلفت صفية إلى أننا في هذا الوقت نلاحظ محاولة الكثير من البرامج التلفزيونية والمنصات الجري وراء استقطاب المتحدثين في مجالات مختلفة بغرض نشر التوجيه والتوعية، تستدرك صفيّة: «لكن السؤال المطروح هو حول المصداقية وجودة الطرح، فأحد العناصر التي تتداخل مع هذا النوع من الاستضافات هو شهرة الضيف، وعدد المتابعين والمحبين؛ الأمر الذي تتعامل معه المنصات المختلفة بصفتها قيمة مضافة ترفع من أعداد المشاهدين وتقوم بإحداث الضجة المطلوبة». أما وسائل التواصل الاجتماعي، فهذا ميدان آخر انتقدته صفية، وقالت: «يهاجمنا انتشار واسع للكثير من الآراء التي لا تمثل سوى أصحابها بصفتها حقائق، لنكتشف بعدها أن الشخص لا يملك ما يؤهله لتقديم معلومات كتلك.. يؤثر ذلك بشكل كبير في سلامة الأفراد في أحيان كثيرة، وفي أحيان أخرى بمستوى ثقتهم بالمحتوى». تفترض صفية خطوة مهمّة، على كل مقدم محتوى في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، عدم تجاوزها وتجاهلها، وهي تتعلق بالبحث ودراسة خلفيات الشخصيات المستضافة، والتأكد من جودة المحتوى، تعلّق قائلة: «يجب إعطاء أهمية أكبر للقيمة، من دون أن يطغى عليها حب الانتشار وعدد المشاهدات». تابعي المزيد: في أكتوبر.. شهر التوعية بسرطان الثدي أطباء وناجيات: الدعم النفسي يحقق المعجزات من المغرب د. كريمة الوزاني:   د. كريمة الوزاني الهدر الكلامي زمنه قصير! تجد د. كريمة الوزاني، أستاذة علم الاجتماع بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان، أن عالم الاجتماع أصبحت صفة من غير تحديد، إلى أن وصلنا إلى علم الاجتماع الرقمي الذي بدأت رقعته تتسع ورواده يتناسلون في كل حين. أصبح الباحثون يصرحون لهذا المنبر أو ذاك حول موضوع محدد، حتى تعودت بعض المنابر على دعوة هؤلاء من أجل الإحاطة ورفع الغبار عن إشكاليات هذا الملف أو ذاك. بطبيعة الحال، تستدرك د. كريمة: «لكن هل هذا دليل على ازدهار علم الاجتماع في العالم العربي؟ أم أن علم الاجتماع أصبح أداة في كثير من المنابر من أجل تحديد أهداف أيديولوجية لمرحلة من المراحل». لعلم الاجتماع وجهان تعطي د. كريمة لعلم الاجتماع وجهين، وجه الانتعاشة ورفع الحظر عنه، بعد وصفه لسنوات علماً مشاغباً ويجب إقصاؤه من الحضور المؤسسي كما ينبغي إقصاؤها من الفضاء العام، تتابع قائلة: «الوجه الثاني هو أن الكيف لا يمكن أن يتوازن مع الكم، لذا فليس كل من تحدث في موضوع ما وبمنبر ما سواء كان ورقياً أو رقمياً بأنه يمثل علم الاجتماع وخصوصياته المعرفية، كما يحصل الآن بسبب أن العملة الجيدة قد تطرد العملة الرديئة كما يقول أهل الاقتصاد». برأي د. كريمة أن هذا الصخب السوسيولوجي قد يعيش فترة ثم يتوارى، فالهدر الكلامي زمنه قصير. من تونس محمّد جويلي:   محمّد جويلي راقبوا أبناءكم وتعرفوا إلى ما يشدّ انتباههم لا تستند مواقع التّواصل الاجتماعي إلى خلفيّة معرفيّة أو حقائق علميّة، حيث تنتفي فيها قواعد التّنظير والضّوابط، ولا تمتّ بصلة لعلم الاجتماع. برأي محمّد جويلي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة تونس، ومدير عام سابق للمرصد الوطني للشّباب. يرى جويلي أن علماء الاجتماع استفادوا أيضاً من هذه المواقع التي فتحت لهم أبواباً جديدة ليتوجّهوا إلى العموم، ويعرضوا عليهم أبحاثهم ومحاضراتهم عبر اليوتيوب، يتابع قائلاً: «يستحيل التحكّم في تقنيات الاتصال ووسائل التّواصل الاجتماعي، فهي برمجيات عالمية، إلّا أنّه ممكن جدّا الحدّ من تأثيرها والاستفادة من إيجابياتها؛ ذلك باتخاذ إجراءات حمائية ووقائيّة، أهمّها مراقبة الآباء للمضامين والمحتويات التي تشّدّ انتباه أبنائهم من النّاشئة أو الشّباب، ومراقبتهم إذا كانوا يتابعون صفحات مشبوهة، تحرّض مثلاً على العنف والكراهيّة والشتيمة، أو تدعو إلى الجريمة «السيبرانية»، أو تنشر الإشاعات وتنتهك الأعراض». تعليمُ الوسائط الرقمية يضع جويلي المسؤولية على الآباء في تعويد أبنائهم على مضامين واقعيّة تعود عليهم بالفائدة، مثل الرياضة أو الموسيقى، مع تحديد المساحة الزّمنية لاستخدام هذه الوسائط التكنولوجيّة، فلا يتركونهم أمام جهاز الحاسوب وقتاً طويلاً؛ لأنّ الاستعمال المفرط يؤدّي بهم إلى الإدمان، ويفصلهم عن العالم الواقعي، فيصبحون ميّالين للانزواء، كما أنّ على الإعلام التّقليدي إعداد برامج تتماشى مع قناعات الشّباب وخياراتهم لتستهويهم وتشدّ انتباههم، يعلّق قائلاً: «لا بد من إضافة مادّة جديدة تدرّس في المدارس لتربية النّاشئة على التعامل مع الوسائط الرقميّة». تابعي المزيد: في اليوم العالمي للمرأة الريفية..نساء الزراعة حكاية حب للأرض والطبيعة من لبنان سمر بولس:   سمر بولس طرح إشكالات من دون ربطها بالأسباب! تشير سمر بولس، رئيسة جمعية المساعدين الاجتماعيين في لبنان، ومدرّبة في قسم الإشراف الصحي الاجتماعي، إلى أن علم الاجتماع يعتمد على مقاربات تشاركية تمكينية، ترتكز على البحث عن نقاط القوة والضعف لفهمها وتخطّيها. ترى سمر أن وسائل التواصل وضعت الناس تحت مجهر الحقيقة التي جعلت نظرة الطرف الآخر تحمل أحكاماً مسبقة تضع الناس والمجتمعات في خانات موجعة في بعض الأحيان، ومؤذية في الكثير منها، تتابع قائلة: «أصبح متاحاً لجميع الناس من مختلف الأعمار والخلفيات العلمية أن يطرحوا أنفسهم بوصفهم أفراداً مؤثرين، ويحللون الإشكالات بشكل جدّي أو ساخر، ويعطون أحكامهم واستنتاجاتهم، غير الموثقة، التي تؤثّر في مواقف روّاد مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيّما الأطفال والشباب منهم»، تتابع سمر: «انتحال المؤثرين لصفة «متخصص اجتماعي»، وغياب مقاربات التحليل العلمي للقضية، يؤديان إلى اختلاط المفاهيم في عقول متابعي مواقع التواصل الاجتماعي.. فإذا أخدنا مثالاً إشكالية «الزواج المبكر لدى الأطفال»، فإن طرح هذه الإشكالية علناً، بحاجة إلى ربطها بالأزمات الاقتصادية المتتالية، والثقافة المجتمعية، إضافة إلى القوانين المحلية المؤثرة». طرحُ البدائل تتساءل سمر: «هل أصبح علم الاجتماع وسيلة لتعميم مفاهيم معلّبة من الخارج وغير ملائمة مع مجتمعاتنا؟ هل نستطيع بوصفنا متخصصين اجتماعيين، وفي ظلّ جميع الأزمات الاجتماعية لعب دورنا في إعادة بلورة المفاهيم في أذهان الناس بشكل علمي يعمل على طرح البدائل؟ هل يجب التفكير في تطوير دورنا للتواصل مع هؤلاء المؤثرين والتعاون معهم»؟ من مصر د. أسماء مراد:   د. أسماء مراد المتخصصون وحدهم المؤهلون لتحليل الحقائق تكمن أهمية علم الاجتماع، في الحفاظ على التماسك الأسري لمعالجة المشكلات الفردية، ويوضح أهمية دور الأسرة في توجيه وضبط السلوك الذي يؤثر في حياة الأفراد، كما تحدد د. أسماء مراد، أستاذة علم الاجتماع. يمثل علم الاجتماع قوة لجعل الناس أكثر وعياً ونشاطاً؛ لأنه يحافظ على السكن المشترك، والتعاون الاقتصادي، ويهتم بالعلاقات الأسرية، وأهمها التي تخص الزواج والطلاق، تتابع د. أسماء: «في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت مفروضة علينا جميعاً، لا بد من اتباع الطريقة الصحيحة لاختيار المفيد للأفراد، أما التعامل الخاطئ مع ما تحتويه مواقع التواصل الاجتماعي، فبالتأكيد هو مصدر ضرر على المجتمع والأسرة». الاستخدامُ المعتدلُ أشارت د. أسماء إلى أن مواقع التواصل تعمل على تنمية الذات لدى الفرد، وفسح المجال للتواصل مع الآخرين، من الأهل البعيدين والأصدقاء، تعلّق قائلة: «هي منصة للإعلام والمعرفة والتسوق الإيجابي، لكن المشكلة في بروز بعض المنصات التي تحرض على العنف أو التطرف أيضاً، كل هذا يعتمد على طريقة استخدام التواصل عند الأفراد، الذي يوصلهم بالفضاءات الإيجابية، أو يؤثر فيهم ويتحكم في ميولهم بشكل سلبي، كما أنّ الاستخدام المعتدل لمواقع التواصل يصقل خبراتنا». تنوه د. أسماء إلى تدخل غير المتخصصين في الإدلاء بآراء أدت إلى تفاقم المشكلات، في ظل عدم قدرتنا على التحكم في هذه المواقع، تستدرك قائلة: «المتخصصون وحدهم هم المؤهلون لحل المشكلات، ونشر رسائلهم وحلولهم القابلة للتطبيق وتحليل الحقائق كما هي». تابعي المزيد: في يومه العالميّ التراث السمعي والبصري نافذتنا إلى الشعوب

مشاركة :