علي شندب يكتب: مصير باسيل وتياره بدون حزب الله!

  • 1/22/2023
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

بعد اغتيال الحريري وخروج الجيش السوري، وجد حزب الله نفسه وجهاً لوجه أمام تحمل مسؤولية إدارة الملف اللبناني بوصفه الوريث الحصري للإدارة الإقليمية ممثّلة بسوريا وأجهزتها الأمنية والعسكرية. وسريعاً أخذ حزب الله التأقلم مع المهمة الجديدة التي ضاعف من صعوبتها اتهامه وسوريا باغتيال زعيم الطائفة السنية رفيق الحريري بما يمثله من أدوار عربية ودولية متداخلة ومتشعبة في آن. لم يكن اغتيال الحريري يستهدف سنة لبنان حصراً. فاغتياله، استهدف شبكة المصالح والنفوذ العربية والدولية التي كان يجسّدها الحريري، سيما وأن هذا الاغتيال أتى من رحم الاغتيال الأكبر المتمثّل باحتلال وغزو العراق المستمرة تداعياته بالتناسل حتى يومنا هذا، فباتت تمّس هويته وجغرافيته العربية انطلاقاً من الغضب الإيراني المنطلق كبركان بسبب إصرار العراقيين على تسمية بطولة البصرة لكرة القدم بالخليج العربي بالتزامن ولو مصادفة مع السنوية الثالثة لاغتيال بطل تفريس المنطقة وافتراسها قاسم سليماني، حيث بات شغل زعيم حزب الله الشاغل تطويبه كأيقونة مقدّسة بشهادة الجائزة العالمية في الرسم والشعر والقصة والأدب والرواية تخليداً لسليماني كما أرادها نصرالله في خطاباته الأخيرة. ورغم الدعم العربي والدولي اللامحدود لقوى 14 آذار التي حصدت أغلبية نيابية فإنها لم تتمكن من الحكم رغم إمساكها بمقاليد وأدوات السلطة التقليدية. وربما سهى عن بال 14 آذار أن لبنان لم يكن محكوماً لعدة قرون خلت بأدواته الرسمية، بل كان وأدواته الرسمية محكومين من إدارات خارجية بينها الإدارة السورية التي ورثها حزب الله كما أسلفنا أعلاه. ولتثبيت أوتاد إدارته للملف اللبناني بادر زعيم حزب الله الى توقيع “تفاهم مار مخايل” مع زعيم التيار الوطني الحر ميشال عون في 6 شباط 2006 والذي لم تتمكن منه حرب تموز 2006 التي نجحت في تحويل بعض لبنان الى أنقاض، وفشلت في تفكيك الحزب وتحويله الى أنقاض. ثم كانت غزوة بيروت في 7 أيار 2008 الاختبار الثاني الذي أطلق يد الحزب في الواقع اللبناني معزّزا عبر اتفاق الدوحة بما سُمّي بالثلث المعطل لقرارات الحكومة. ومن تلك اللحظة تدرّج حزب الله في صناعة مواقع السلطة والإمساك بمقاليدها. فبعد فراغ دستوري تجاوز السنتين، تمكن الحزب عبر تفاهم مار مخايل من فرض ميشال عون رئيساً للجمهورية عبر ما سُمّي بالتسوية المشؤومة بين ركني تفاهم مار مخايل وبين سعد الحريري الذي انتهى به المطاف الى التقاعد السياسي والعودة الى مقاعد “البزنس” في أبوظبي. من الناحية العملية والسياسية مارس التفاهم بوصفه الحزب الحاكم الجديد للبنان تنكيلاً وقهراً لمتنفذي الطائفة السنية. فاستقالة سعد الحريري ومغادرته السياسة كانا بسبب أداء ميشال عون ووريثه باسيل وشروطهما الإذلالية لعدم تشكيله الحكومة. أداء وشروط متطابقة تمثّلت في فرض حكومة برئاسة حسّان دياب العاري من أي حيثية سنية، على الطائفة السنية التي استشعرت الإذلال إياه، سيّما وأنّ تكليفه أتى مخالفاً لنظرية “القوي في مكونه الطائفي” والتي على أساسها انتخب عون رئيسا للجمهورية، ما وفّر لانتفاضة 17 تشرين وقوداً شعبيا على امتداد لبنان الذي تحوّل الى طوابير منتظمة أمام الأفران ومحطات الوقود والصيدليات فضلاً عن معامل الكهرباء المظلمة لفقدان الفيول. رغم استشعاره فداحة أثمان الاستمرار في تفاهم مار مخايل، لم يتخلّ حزب الله عن حليفه التيار الوطني الحر، ومنع انتفاضة 17 تشرين من اقتحام القصر الجمهوري عبر تهديدها تارة وتخوينها طوراً، غير آبه بالسياسات المعتمدة والتي أدّت مع أسباب أخرى منها انفجار مرفأ بيروت الى الانهيار الاقتصادي والمالي الذي لم تبلغ تداعياته المؤلمة نهاياتها بعد. ورغم استشعار فداحة أكلاف تفاهم مار مخايل أيضاً، خاض حزب الله الانتخابات النيابية متحالفاً مع تيار جبران باسيل ووفّر له بضعة مقاعد نيابية إضافية في عدة مناطق لبنانية، ما أنتج مجلساً نيابياً لا يمتلك فيه أي طرف الأكثرية النيابية. ورغم ضغوط حزب الله لتشكيل حكومة تملأ الفراغ الرئاسي استمر جبران باسيل في فروض الشروط الإذلالية والتعجيزية على الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي ما حال دون تشكيل حكومة، ويؤدي اليوم الى اشكاليات حول أحقية اجتماع حكومة تصريف الأعمال وممارستها لصلاحياتها الدستورية الضيقة، يؤيدها حزب الله، ويرفضها تيار باسيل. ثم بدأ “الفتق” يتسع بين طرفي مار مخايل خصوصاً بعدما أبلغ نصرالله صديقه جبران باسيل بأن مرشحه للانتخابات الرئاسية هو ذاك الذي لا يطعن المقاومة في ظهرها، وأن سليمان فرنجية هو “عينه الثانية”. عند هذا الحد ثارت ثائرة باسيل الرئاسية وأطلق كلاماً يغمز فيه من عدم صدقية أصحاب الوعد الصادق، ما أثار غضب بيئة حزب الله قبل قيادته وحصل التراشق العنيف بين جمهور الطرفين ما وشى باستحالة “رتق الفتق” بينهما، توازياً مع فشل جلسة المجلس النيابي الحاية عشر في انتخاب رئيس جديد، حيث بيّنت الجلسة الأخيرة أن تيار باسيل غادر التصويت بالأوراق البيضاء باتجاه الأوراق الملغاة مرفقا بكلام سياسي عن تحالف المسلمين ضد المسيحيين الذي يراد منه وعبره تمرير الكلام الحرام عن الفيدراليات الطائفية وخلافه. مما تقدّم يتضح أن الخطأ في التشخيص الذي وقعت فيه قوى 14 آذار بعد اغتيال الحريري، قد وقع فيه التيار الوطني الحر بعد انتهاء ولاية عون. وسبب خطأ تشخيص تيار جبران باسيل ايهام نفسه أنه شريك ندّي لحزب الله، وهذه النديّة التي حاولها جبران باسيل مراراً مع نصرالله انتهت به اليوم لأن يكون معزولا سياسياً ومتخبطاً في خياراته وقرارته التي يرجح أن تضعه والتيار الوطني الحر بعد دفن تفاهم مار مخايل بين خياري التدمير الذاتي أو على شكل صورة مصغّرة عن سعد الحريري وتيار المستقبل.

مشاركة :