ماجد كيالي يكتب: حاجة الفلسطينيين لصوغ استراتيجية كفاحية واضحة وممكنة

  • 2/2/2023
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

لم تكن مجزرة مخيم جنين، بعد اقتحام القوات الإسرائيلية للمخيم، (الخميس 26/1)، والذي نجم عنه مصرع 9 من شباب المخيم، وإصابة عشرات بجراح، وتجريف عشرات البيوت، حدثا طارئا، أو فريدا من نوعه، إذ إنه بات حدث يحصل يوميا، في جنين ونابلس ورام الله والقدس والخليل، تتوخى إسرائيل منه تكريس واقع الاحتلال والاستيطان وإسكات الفلسطينيين، ووأد طموحهم بالتخلص من الاحتلال. وللعلم، فهذا المخيم يقطنه لاجئون فلسطينيون منذ النكبة (1948)، أي كأنهم يعيشون النكبة يوميا، منذ 74 عاما، وكان المخيم تعرض لحملة قتل وتجريف إبان الانتفاضة الثانية (2000 2005). وعلى أية حال فمنذ بداية هذا الشهر، حتى 26 منه، قتلت إسرائيل 31 فلسطينيا (9 في مخيم جنين)، وفي العام الماضي قتلت 230 منهم، بحيث اعتبر العام الذي شهد مصرع أكبر عدد من الفلسطينيين، بعد الانتفاضة الثانية (عام 2005)؛ طبعا باستثناء فترات الحروب على غزة. وفي الحقيقة فإنه منذ 2006 (تسلم محمود عباس القيادة والسلطة) حتى 2022، لقي 7500 فلسطيني حتفهم بالرصاص والقصف الإسرائيلي في الضفة وغزة والقدس (470 سنويا)، هذا رغم علاقات التنسيق الأمني التي تربط السلطة بإسرائيل، ورغم كل محاولات السلطة الإبقاء على خيار اتفاق أوسلو، وخيار إقامة دولة مستقلة للفلسطينيين، في الأراضي المحتلة عام 1967. ولأن الاحتلال والظلم يولد الغضب والمقاومة، كفعل وردة فعل، فبعد مضي يوم واحد، فقط، على مجزرة جنين، قام شاب فلسطيني بإطلاق النار على مستوطنين إسرائيليين، أردى ثمانية منهم، في ضاحية سلوان في القدس الشرقية (أي الجمعة 27/1). وفي الواقع فإن الفلسطينيين لم يتركوا طريقا إلا وسلكوه لانتزاع حقوقهم، وضمن ذلك الكفاح المسلح، والحرب الصاروخية، والعمليات التفجيرية، والانتفاضة، والمفاوضة، وضمنه القبول بإقامة دولة على جزء من أرضهم، إلا أن إسرائيل سدت كل المنافذ، مستفيدة من غياب الحاضن الدولي والعربي لحقوق الفلسطينيين. مع ذلك فإن تلك العملية أتت من وجه اخر كمحاولة للتعويض عن نكوص الفصائل، وعن افتقاد الفلسطينيين لقيادة جامعة، ولرؤية وطنية، وبسبب غياب استراتيجية كفاحية واضحة وممكنة، بحيث يتم استثمار البطولات والتضحيات في إنجازات سياسية، وهو الأمر الذي لا يتحقق بسبب ضعف الوضع الفلسطيني، وعدم وجود بيئة حاضنة دولية وإقليمية وعربية، تمكن من الضغط على إسرائيل، والاستجابة لحقوق الفلسطينيين. ناحية ثانية أكدتها الأحداث أن عملية واحدة كان لها تأثير أكبر من آلاف الصواريخ، أو الحرب الصاروخية، والأهم أن عمليات يقوم بها شباب أفراد، لإيمانهم بقضيتهم، واستعدادهم للتضحية، تجبي ثمنا أكبر من إسرائيل، وتجنب الشعب الفلسطيني ردود الفعل الإسرائيلية الوحشية، مثلما كان يحصل في ردها الوحشي على القصف الصاروخي من غزة، مثلا . وللتذكير، مثلا، فإن ذروة توسل الفلسطينيين للكفاح المسلح تحققت في الانتفاضة الثانية، ونجم عنها مصرع أكثر من ألف اسرائيلي، 452 منهم عام 2002 لوحده، بيد أن النتيجة شنّ إسرائيل حربين مدمرتين على الفلسطينيين (2002 2003) استعادت فيهما السيطرة على الضفة، ودمرت بناها التحتية، وقطّعت اوصالها بالنقاط الاستيطانية والحواجز والجدار الفاصل، أما غزة فانسحبت منها (2005) للتخلص من عبئها، بفرض الحصار عليها، وتحويلها إلى سجن كبير، وكحقل رماية لصواريخها، وتحويلها إلى مشكلة للفلسطينيين. هذا يصحّ في مراجعة التجربة التاريخية، أيضا، ففي ثورة 1936، في مواجهة الجيش البريطاني، تكبد الفلسطينيون سبعة آلاف شهيد، و20 ألفا جريج، وخمسين ألف معتقل، والبيوت المنسوفة ألفين. (مذكرات محمد عزة دروزة، بيروت دار الغرب الإسلامي، 1993، ج5، ص 550)، أي أن الخسائر البشرية كبيرة جدا، إذ 77 ألفا، وهي نسبة 1 الى عشرة من الفلسطينيين (عددهم آنذاك حوالي 800 ألف). وقد بلغ عدد الأسلحة المصادرة منهم، بين 1936 إلى 1940,6371 بندقية و3220 مسدسا و1812 قنبلة و425 بندقية صيد. (الموسوعة الفلسطينية: الجزء الثاني ص 1049). ولعل هذه الاحصائيات، ومعها تدمير البني التحتية للمقاومة، وتصفية قياداتها أو ابعادهم، تدلل بأن الفلسطينيين في 1948 كانوا في غاية الانهاك، ما يفسر قدرة العصابات الصهيونية على السيطرة، وتحقيق الغلبة وإقامة كيانها. والمعنى إن ثورة 1936، مشروعة، وعبرت عن إرادة الشعب، إلا أن طريقة ادارتها، ونمط عملياتها، أتى أكبر من قدرة الشعب على التحمل، الأمر الذي مكن السلطة البريطانية وقتها من إجهاضها، بحيث إنه عند اللحظة الحاسمة (إقامة إسرائيل)، كان الشعب الفلسطيني من دون قيادة وقد استنزفت قدرته على المقاومة، وهو الأمر الذي تكرر في التجربة الفلسطينية في لبنان (قبل العام 1982)، وفي الانتفاضة الثانية، كما بينا. الاستنتاج هنا، يعني ضرورة مراجعة الفلسطينيين لتجاربهم، المكلفة والطويلة والغنية، واستنباط الدروس منها، وإدراك أن حرب الشعب، هي حرب الضعيف ضد القوي، وليست حرب جيش لجيش، أو صواريخ لصواريخ، وإنها تتطلب مراعاة الإمكانات الذاتية، وقدرة الشعب على التحمل، وعدم الاستدراج إلى المربع الذي يتفوق به العدو، وتقليل كلفة الاشتباك معه، والأهم إدراك أنها مقاومة الشعب، بالأشكال الممكنة، لا بفصائل أو مجموعات أو أفراد، وأنها ليست محصورة بالسلاح، وليست موضوعا للتقديس، وإنها تلك التي يمكن استثمار التضحيات والبطولات فيها، لا التصفيق لها أو تبديدها، أو توظيفها لأغراض فصائلية ضيقة.

مشاركة :