د. عبدالله الغذامي يكتب: الانفصال عن العالم

  • 2/11/2023
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الوسائل تفصلك ليس عن واقعك فحسب، بل تفصلك عن نفسك فقد تنسى عشاءك أو موعدك مع طبيبك أو ما هو أشد من ذلك وأخطر، حيث تعمل على تدميرك ذهنياً وجسدياً واجتماعياً، فتجلس مع الناس بجسدك وهم كذلك معك بأجسادهم من دون روح ولا ذهن كشموع بشرية في متحف تراها متجسدةً أمامك، لكنها فقط ترمقك من دون أن تحس بك. على أن تحقيق التوازن ممكن وميسور لو رغبنا به، وقد حاولت هذا مع نفسي في «تويتر»، حيث قررت قبل دخولي لها ألا أسمح لها أن تستغرقني فعملت قيوداً على وقتي مع «تويتر» وعلى وقتي مع «الواتس» وعلى نظامي اليومي، بنظام يضبط صيغة الوصل والفصل بيني وبين العالم والوسائل الاجتماعية تلك التي وصفت بالاجتماعية (Social Media)، وهي في واقعها مضادةٌ للاجتماعي والواقعي، وقد وصفوها أيضاً بالافتراضي وهو وصف أقرب للصحة وأدق في وصف مفعولها علينا، إذ تحولك أنت إلى كائن افتراضي بمعنى أنك جسد اجتماعي، ولكن دون روح لا تملك وقتك ولا مكانك، إذ تشعر أنك في لندن، بينما أنت في الرياض وفي المقابل ستعتقد أنك في المطعم مع أصدقاء، ولكنك وأصدقاءك تتحولون إلى صور تتكوم على طاولة يراكم النادل، وكأنما يرى أشباحاً، حتى الأصوات تتعطل، كما تتعطل الحركة، وهذا يدخلك في حال شبحية تخرجك عن الوعي العام إلى حال انزواء ذهني يفصل الجسد عن المخ، ويصنع لك مكاناً افتراضياً غير الذي يحتوي جسدك، ومن هنا أنت نفسك كائن افتراضي، وكلما اضطررت للتنبه لحالك، فستشعر بنفَسك يتصاعد تصاعد أنفاس الغريق الذي خرج للتو إلى الهواء الطلق وتحررت روحه من حصار الغرق، وهذه لحظات انفصال عن العالم تدخلنا في تجاربَ بعضها مفيد نفسياً وقد نعتمدها فعلياً للهروب من الواقع أو للسباحة الذهنية الحرة، وتشبه ممارساتنا لأحلام اليقظة (الهواجيس)، وهذه دورات تدريبية للنفس لكي تكسر وتيرة الحياة التي قد تتسلط علينا بضغوطها، فيكون الهروب هنا منجاةً من الضغوط، والانفصال عن العالم رياضة ذهنية مثله مثل أي رياضة بدنية، ولكن التوازن شرط لتنظيم الحياة لكي تكون حياةً واقعيةً وإن تحولت لحياة افتراضية في مواقيت متوازنة.

مشاركة :