تؤكد وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، أن اقتصاد بلادها في حالة جيدة، لكنها كانت واقعية بما يكفي للقول، إن هذا الاقتصاد قد يشهد هبوطاً ناعماً. وهذا النوع من الهبوط يضمن لأي اقتصاد النجاة من ركود أو انكماش شبه محقق. فإذا كان هناك نمو، بصرف النظر عن معدلاته، سيتجنب الاقتصاد الانكماش، في الوقت الذي يمر فيه أكبر اقتصاد في العالم بمرحلة من التباطؤ، يفضل المشرعون الأميركيون أن تبقى بحالتها الراهنة على أن تتحول إلى ركود أو انكماش. وكغيره من الاقتصادات المتقدمة، يعاني اقتصاد الولايات المتحدة من موجة تضخمية عاتية، ومن مواصلة المجلس الاحتياطي الفيدرالي «البنك المركزي»، رفع الفائدة لمواجهة تلك الموجة التي يبدو أنها مستمرة حتى منتصف العقد الحالي على أقل تقدير. صحيح أن التضخم على الساحة الأميركية أقل من أمثاله في الاتحاد الأوروبي وبريطانيا عند 6%، إلا أنه لا يزال بعيداً عن النسبة المستهدفة وهي 2%. النقطة الأهم الآن تتمثل برؤية «الفيدرالي» حيال الفائدة في الأشهر المتبقية من العام الجاري. في الأيام الماضية أظهرت البيانات الضعيفة قدراً من القلق، وسط توقعات بوقف الزيادات الدورية لتكاليف الاقتراض في مراجعة الشهر المقبل، بل وخفضها في يونيو الذي يليه. بالطبع سوف يحفز التوقف عن رفع الفائدة الحراك الاقتصادي على الساحة المحلية، خصوصاً أنه بلغ حالياً أعلى مستوى له منذ أكثر من عقدين عند 4.5%، وسيزيد من وتيرة التحفيز إذا ما أقدم المشرعون حقاً على خفضها قبل نهاية العام الجاري. لكن تبقى مخاطر عودة التضخم للارتفاع حاضرة، ما قد يجعل الجهات المعنية بالسياسة المالية، تتريث قليلاً على صعيد الخفض. كل شيء بات مرتبطاً حالياً بحالة الاقتصاد الأميركي الراهنة، والإبقاء عليها كما هي لكيلا ينزلق إلى ركود لن يكون قصيراً. والمفارقة أن الأخبار الاقتصادية السيئة على صعيد النمو ومستقبله، كانت تمنح مؤشرات البورصة الأميركية قوة دفع إيجابية كبيرة، على أساس أن مثل هذه الأخبار ستدفع «الفيدرالي» إلى وقف أو على الأقل إبطاء وتيرة زيادة الفائدة. فالرفع المتكرر لهذا الأخير، يساهم بالدرجة الأولى في كبح النمو المحتمل بصرف النظر (مرة أخرى) عن مستوياته. المهمة الصعبة الآن هي إبعاد الاقتصاد برمته عن إمكانية الركود، وخروجه من أين؟ من التباطؤ. فهذا الأخير يعد إنجازاً حقيقياً في هذه الأوقات الصعبة التي يمر بها الاقتصاد العالمي عموماً. مسار التباطؤ بات يشمل عدة قطاعات بما في ذلك التشغيل والخدمات والتصنيع، ناهيك عن المؤثرات السلبية غير المباشرة الأخيرة للمصاعب التي مرت بها بعض البنوك الأميركية، وتمكنت الإدارة الأميركية بالفعل من احتوائها بسرعة شديدة. ويبقى السؤال الأهم، حول مدى قوة صمود الاقتصاد الأميركي خارج دائرة الركود في العام الحالي، وإذا ما واصل هذا «الصمود» سيحقق بالتأكيد قفزات نوعية في العام المقبل، لكنها ستبقى ضمن تأثيرات المباشرة للاضطرابات الاقتصادية العالمية الراهنة.
مشاركة :