حين تقف أمام رف السوبر ماركت محتاراً بين منتجين.. الأول جيد ورخيص، والثاني أغلى قليلاً، لكنه يلوث البيئة وشركته تستغل العمال وتقسو على الحيوان.. أي المنتجين تختار؟ قبل أن تتسرع في الإجابة، عليك معرفة أن الأمر ليس بالبساطة التي يبدو عليها. فمعاييرنا الأخلاقية نسبية وقد تتفاوت على مدار اليوم الواحد حسب عوامل ومؤثرات كثيرة! في سلسلة من الدراسات التي أجرتها البروفيسور مريم كوشاكي وزملاؤها بكلية كيلوج للإدارة بجامعة نورث وسترن، صمموا تجارب تسمح للناس باتخاذ قرارات غير أخلاقية معتقدين أن أحداً لا يلاحظهم. فمثلاً، طلبوا من المشاركين أن يحلوا مجموعة من المسابقات، كي يحصلوا على دولار لكل إجابة صحيحة.. على أن يقوموا بالإبلاغ بأنفسهم عن عدد الأسئلة التي أجابوها بشكل صحيح، فوجدوا أن بعضهم يميلون للحصول على دولارين إضافيين في المتوسط! إلا أن الأكثر إثارة للاهتمام، هو أنهم وجدوا ميل الناس للالتزام بمعاييرهم الأخلاقية يتناقص تدريجياً على مدار اليوم.. وكأن عضلة الأخلاق يصيبها الإرهاق مع تراكم الضغوط اليومية.. وهي ظاهرة يمكن تفسيرها بما يسمى «نفاد الأنا»، وهي نظرية مفادها أن القدرة على ضبط النفس والتحكم الذاتي، تحتاج إلى طاقة يستهلكها المخ.. لهذا كلما تناقصت الطاقة الجسدية - بالإنهاك الذهني أو الجسدي - كلما ضعفت القدرة على الضبط الذاتي، بما في ذلك اتخاذ القرارات الأخلاقية الصعبة! لكن المشكلة فيما سبق، هو أن هذه التجارب المعملية تشمل مواقف سطحية لا تتعلق بمخالفة القيم الجوهرية التي يعتنقها المرء حقاً في مواقف مصيرية، بل تتعلق بقرارات بسيطة قد لا نبذل مجهوداً ذهنياً كافياً لانتقائها. فالقرار الذي يتخذه شخص يتسوق في السوبر ماركت وذهنه مشغول في مقارنة الأسعار، يختلف عن قرار ناشط بيئي يشغل مستقبل الكوكب حيزاً كبيراً من تفكيره. ليس الأول أقل أخلاقية بالضرورة، بل إن عقله يرشد الاستهلاك بأن يركز فيما يراه مهما في هذه اللحظة. وهو ما يعطينا إشارة لأول طريقة ننمي بها منطقنا الأخلاقي، وهو أن نوسع من إدراكنا وثقافتنا وفهمنا للعالم.. أن تتسع دائرتنا الأخلاقية لتشمل الهم العام الأبعد من ذواتنا الضيقة.. هذا هو المنطق الأخلاقي ببساطة.. ألا تبحث - فقط - عن مصلحتك، بل إن تراعي معايير أخرى تتجاوزك أنت شخصياً.. فإلقاء ورقة في الشارع لا يعني تنظيف سيارتك.. بل اتساخ شارعك!
مشاركة :