ظلت الولايات المتحدة تتمتع بتفوق تكتيكي في قتالها أعداء غير قادرين على مجاراة براعتها التكنولوجية العسكرية، وقد أدى استخدامها أسلحة حديثة ضد قوات تملك عتادا عسكريا عتيقا وباليا إلى نجاح عملياتها في ساحات المعارك، لا سيما ضد حركة "طالبان" في أفغانستان. لم تكن الثقة في التكنولوجيا القتالية ودقتها مسألة تؤرق الولايات المتحدة خلال النزاعات الماضية أو الحالية، غير أن هذه الميزة الهائلة للتكنولوجيا الأميركية ستنتقص في حال نشوب صراع مع روسيا نتيجة عدوانها على أوكرانيا، أو مع الصين في توسعها في بحري جنوب الصين وشرق الصين المتنازع عليهما. وفي هذه الحالة، تستطيع كلا الدولتين مقارعة الولايات المتحدة بما ظلت تعتقد أنها ميزة فريدة تتمتع بها طوال ربع القرن الماضي. بل إن هناك من الإمكانات التكنولوجية التي طالما اعتمدت عليها، بمقدور جيوش الصين أو روسيا "العصرية" مواجهتها أو حتى إبطال مفعولها. وكذلك، درج الجيش الأميركي، باعتماده على وسائل الاتصال وتحديد المواقع عبر الأقمار الصناعية، على أن تكون له ميزة حاسمة تتمثل في إلمامه بساحة القتال. ولعل أكثر ما كان يميز الولايات المتحدة عن غيرها في الحروب قدرتها على الهيمنة على الأجواء، فالطائرات المسيرة (دون طيار) تُعد وسيلة فاعلة في عملياتها العسكرية لقدرتها على المراقبة والاستطلاع لفترات أطول مما تستطيع الطائرات المأهولة القيام به. وثمة مزاعم متضاربة بأن بعض الدول -من بينها إيران- اعترضت الطائرات المسيرة، بيد أن "جماعات متمردة وحكومات منقسمة" تناصب الولايات المتحدة العداء لا تمتلك حتى الآن القدرة على اعتراض تدفق المعلومات التي تبثها تلك الطائرات. ومن المؤكد أن للصين وروسيا هذه القدرة، وقد تستهدفان تلك الإمكانات المحسوسة وغير المحسوسة التي تملكها أميركا في وقت الصراع. وقد كشفت هاتان الدولتان عن قدرتهما على العمل في المجال الافتراضي، إما بسرقة مخططات لطائرات عسكرية وإما بانتهاك البريد الإلكتروني لوزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون). وبينما تضيق الفجوة التقنية بين الفرقاء المتحاربين -إما عبر العولمة وإما عبر الانتشار- فإن الجيوش ستضطر للاعتماد بصورة متزايدة على المهارات "القديمة" التي ينبغي أن تحتفظ بفعاليتها، وأن تستخدم مرارا وليس في الحالات الطارئة فحسب.
مشاركة :