هل هو طارئ أم متأصل؟ - اميمة الخميس

  • 12/28/2013
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

هل الاحتدام والصراع الطائفي أمر طارئ في حياتنا الفكرية؟ هل مانشهده اليوم من تصعد في النبرة الطائفية والتنابز والتمترس خلف مجموعة من الأفكار الموروثة التي تحاول كل منها أن تحتل عرش الفئة الناجية وتسقط الأخرى.... هو أمر دخيل على نشاطنا الفكري؟ وإلى أي مدى يلعب الصراع السياسي دوراً في تعميق الهوة بين المعسكرات الفكرية؟ على كل حال وقائع التاريخ تحيلنا إلى ركام فكري عميق يبدأ منذ الصفحات الأولى لكتاب التاريخ الإسلامي ومنذ الوقت الذي اختارت فئة أن تصلّي خلف عليّ رضي الله عنه، بينما الأخرى لوحت بقميص ذي النورين وصلّت خلف معاوية رضي الله عنهما، ومن وقتها تلك الصفوف المنشقة مابرحت تتقاذف التهم إلى يومنا الحاضر. إذاً الصراع الطائفي والمذهبي كان سمة واضحة لإرثنا الفكري، مع مايلعب الصراع السياسي على السلطة من دور بهدف استثمار هذا الصراع كوسيلة ترسيخ الشرعية. ولنأخذ القرن الرابع الهجري كمثال، كونه القرن الذي انتهت فيه فتنة خلق القرآن وأخمد فيه النشاط العقلي وقمعت تيارات المعتزلة، واستبد النقل بالساحة بدلاً من العقل كما أنه القرن الذي تبلورت فيه المذاهب الفقهية واستقرت. رغم هذا إلا أنه قرن كان يموج بالاضطرابات السياسية والفتن العقائدية والصراع الطائفي الذي كان وقوده العامة والسذج وأولئك الذين يسهل شحنهم وملء رؤوسهم بالخزعبلات، حتى أن المؤرخ الكبير الطبري الذي توفي في بدايات القرن الرابع دفن سراً بعد اتهامه بالتشيع، وقبله بعام أعدم الحلاج بتهمة الغلو بالتصوف، بينما القرامطة دخلوا مكة المكرمة عنوة وأخذوا معهم الحجر الأسود، وهو القرن الذي كتبت فيه رسائل أخوان الصفا. ‎ وظهر فيه المذهب الدرزي نسبة إلى محمد بن إسماعيل الدرزي وانتشر في الشام ولبنان، على حين اتخذ فيه المذهب الإسماعيلي آنذاك بعداً سياسياً على يد الدولة الفاطمية. طبعاً هذا التنوع المذهبي لم يكن علامة غنى وثراء وتعايش، بل كان على شكل قلاع فكرية مصمتة ومحصنة ضد الآخر المختلف، كانت تسيل على جنباتها الدماء وتتطاير الرؤوس، ويوظف فيه أي وسيلة للاستئثار بالسلطة ومنها النص الديني، حيث شاركت الأحاديث المدلسة عن الرسول عليه الصلاة والسلام بدور كبير فيه، وكان التوظيف للأحاديث إما عبر التدليس أو الوضع أو ما أسماه طرابيشي في كتابه (من إسلام القرآن إلى إسلام الحديث) بالمخرج التأويلي أو التوهيمي أو الترجيحي للأحاديث بحيث تتوافق مع الأجندة السياسية وتدعمها، وبالتأكيد هي مخارج كانت ومازالت عبر التاريخ الإسلامي فاعلة ونشطة وتستخدم السنة الشريفة كمنشور سياسي لها. هذه لمحة خاطفة لما حدث في قرن واحد فقط من تاريخنا والذي يؤكد أن الصراع المذهبي خلاله ليس بالأمر الطارئ أو الجديد، بل هو سمة متأصلة طالما بقي بعض النصوص في الديني (كنص متعال عن الزمان والمكان)جزء من بعض الأجندة السياسية المتبدلة المتغيرة، فسنسمع الكثير والعجيب أيضاً.

مشاركة :