السؤال الذي يُطرح بقوة بعد تتابع الحوادث الإرهابية هو : ما الذي يمكن أن يفعله المجرمون مفجرو المساجد أكثر مما فعلوا ؟ يقيناً أنهم لن يتورعوا حتى عن التفجير وإدخال الأسلحة إلى بيت الله الحرام إنّ ما حدث من تفجير في مسجد قوات الطوارئ، يمثل منحىً خطيراً وجريئا، فبعد أن كان إرهابيو ابن لادن يستهدفون منشآت سكنية وحكومية، اتجه إرهابيو داعش إلى تفجير المساجد في أوقات الصلاة، ليوقعوا أكبر عدد من الضحايا، وهذا تطور نوعي ليس في مواجهة الدولة فقط، بل في مواجهة المجتمع كلّه الذي يريدون تطويعه لدولة الخلافة المزعومة. يؤكد نجاح الإرهابيين وتغلغلهم في عمق بلادنا، على هذا النحو من التخطيط والتنظيم والعمل المتقن الذي يحدث في غاية الطمأنينة، يؤكد تمتعه بالحماية والدعم الماليّ والفكريّ، ما يكشف عن فشلنا في إقرار فكر عقلاني بديل، وثقافة عصرية مضادة، بدليل أنّ معظم المتورطين في الانتماء للإرهاب القاعدي والداعشي فيما بعد، من الشباب شديد التدين، إذ لم يقبض على أيّ شاب من الشباب الآخرين الذين يقضون أوقات فراغهم في الاستراحات يلهون ويغنون، فيأتي من المتشددين من يكسر آلات الطرب التي معهم، ولو وجدوا معهم أسلحة ومتفجرات لما فعلوا لهم شيئا، لتوافق الأفكار، فكل الإرهابيين لا يقبض عليهم إلا رجال الأمن، أما الآخرون فلا يعنون إلا بمطاردة الشباب والشابات في الأسواق؛ ليتأكدوا من إحكام عباءة الرأس، ومنع الشباب من دخول المجمعات التجارية، حتى النسوة الإرهابيات كن من ذوات التشدد الديني! ومع ذلك فإنّ تفجير المساجد في أوقات الصلاة، يعني أنهم أبعد ما يكونون عن حقائق الدين الصحيح، فقد تغلغل الفكر التدميري في نفوسهم على نحو جعلهم أوفياء لفكر زعيمهم الإرهابي الأكبر، وتقديم أوامره على أوامر الله سبحانه وتعالى، فأيّ دين هذا الذي يدّعون الانتماء إليه والإيمان به، إنهم مجرد كفرة خارجين على قوانين الله وشرائعه، ألم يقل الله سبحانه : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) ؟ لقد بلغ التدليس الديني في عقول أولئك القتلة حدّاً، صور لهم نيل الشهادة جزاء تفجير المساجد بمصليها، فماذا يمكن أن يسمى ذلك ؟ أهو جهل بالدين، أم استعلاء على مفاهيمه ؟ إنه استعلاء على دين الله عندما يصرّ هو ومن وراءه على أنّ ما يفعلونه هو جهاد وتحقيق لتعاليم دينه، غير مدركين أنهم إلى جهنم وبئس المصير سائرون !!. سيأتي من ينكر عليّ رميهم بالكفر على الرغم من وجود آيات قرآنية وأحاديث تؤيد ما قلت، يتناغم هذا مع سياسة الكيل بمكيالين التي اعتدناها من أولئك المهادنين لفكر الإرهاب، الذين لا يستحي بعضهم من تسميتهم شهداء، في غاية الاستخفاف بأمن الوطن، والاستهانة بدماء الشهداء ومشاعر أهلهم. استهداف الدواعش المجرمين بلادنا، يثبت أننا كلنا في هذه المواجهة نحوم حول الحمى؛ إمّا عجزًا وإمّا خوفاً وإمّا جهلًا وإمّا مهادنة وإمّا تواطؤاً، والأمران الأخيران هما الأشدّ وطأة على ما نحن فيه، مواجهتنا سطحية لم تغُص في عمق الظاهرة الإجرامية، ولولا ما يقوم به رجال الأمن من الإيقاع بالمجرمين وإفشال خططهم لدخلوا على كثير من المواطنين المستهدفين عقر دورهم، ولدمروا ما زينت لهم أنفسهم المريضة وعقولهم المجرمة تدميره. ردود الأفعال والاستجابات الآنية لا تصنع خطابًا مضادّا، ولا تواجه الإجرام والمجرمين كما ينبغي لهم، ففي الوقت الذي غيّر الإرهابيون استراتيجياتهم ونوعوا خططهم وأساليبهم وطوروا آلياتهم وحددوا أهدافاً كبرى لهم، ليبلغ تدميرهم أقصى مداه، ولتكون الخسائر ذات أكلاف باهظة تشكل انعكاساتٍ خطرةً في المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ما نزال نحن نراوح مواقعنا في دائرة الأفعال وردودها، فلا خططَ عميقة، ولا أهدافَ ناجزة، ويظل خطابنا ضعيفاً خافتًا، وجهودنا لا ترقى إلى مستوى الحدث! وهنا أتساءل بكل مرارة ماذا فعلت وزارة الإعلام منذ تفجير داعش الأول في المنطقة الشرقية ؟ حقيقة لا شيء البتة، ألم يكن جديرًا بها تكثيف خطاب إعلامي توعوي على وسائل الإعلام جميعها، من مقروءة ومسموعة ومرئية ؟ ألم يكن أحرى بها طبع منشورات وتوزيعها على المواطنين، لكشف حقيقة الدواعش وبيان خطرهم على أمنهم وسلامتهم، وحثهم على مراقبة أبنائهم لاسيما ذوو التشدد الديني ؟؟ أمّا وزارة التعليم ففي الوقت الذي كنا نظن أنها بصدد إقرار رؤى لمناهجَ وخططٍ تعليمية لتوعية طلاب وطالبات المدارس بالخطر الذي يشكله الفكر الديني المتشدد على أمنهم، وتحذيرهم من الدواعش، نجدها تقرّ استحداث فصول لتحفيظ القرآن، في الوقت الذي للقرآن حصص ثابتة في الجدول الدراسي منذ الصف الأول الابتدائي، علاوة على وجود مئات المدارس لتحفيظ القرآن. لا يتبادرَن إلى ذهن أحد أني ضد تعليم القرآن كما افترى بعضهم على من استغرب ذلك - فأنا قد نشأتُ دينًا وعلمًا ولغة على القرآن الكريم، لكن أن يحشر الأمر حشرا على ذلك النحو، فلا أظنه يشكل أولوية مع وجود الأصل الثابت في الجدول الدراسي وفي مدارس التحفيظ. ما زلت أردد بكثير من الأسى أننا ومنذ أول عمل إرهابي ارتكبه المارق ابن لادن في بلادنا، نحوم حول الحمى، إذ نخشى أن نسمي الأشياء بأسمائها، ونخاف أن نحدد المسؤولية والمسؤولين عمّا حدث ويحدث، وتوضيح الأسباب المادية والموضوعية المؤدية إلى انخراط بعض أبناء الوطن في زمرة الإرهابيين المتآمرين على أمنه، وزعزعة استقراره، وتدمير مقدراته، بل لم نسارع إلى قتل الإرهابيين ورؤوس الفتنة الذين ما زالوا ينعمون بالعيش في السجون، ويصرون على تكفير الدولة والمجتمع بأسره، كما ظهر بعضهم في لقاءات تلفزيونية. ماذا ننتظر لكشف كلّ الأوراق، وفضح المتآمرين؟ فتشكيك الشباب برموز الإرهاب وتبيين حقيقتهم لهم سيؤدي إلى اهتزاز ثقتهم بهم وعدم تصديق ادعاءاتهم، كما يؤدي إلى تراجعٍ في التعاطف معهم، لتتكون لديهم حصانة فكرية ضد فكر التغرير والتدليس، ويجب قتل رؤوس الفتنة من المحرضين والقتلة القابعين في السجون منذ سنين، وتغيير خطابنا الإعلامي والتعليمي بما يتناسب والوضع الخطير الذي تعيشه بلادنا جراء إجرام الدواعش، ولابدّ من إشراك المواطنين المتنورين من غير ذوي الأجندات والانتماءات الحزبية، في العمل مع الدولة في ذات الخندق، للانتصار على الإرهاب وأهله، وعدم حصر ذلك في فئة معينة اتضح فشلها في إيجاد حلول لمحاربة الإرهاب! ثم إن السؤال الذي يُطرح بقوة بعد تتابع الحوادث الإرهابية هو : ما الذي يمكن أن يفعله المجرمون مفجرو المساجد أكثر مما فعلوا ؟ يقيناً أنهم لن يتورعوا حتى عن التفجير وإدخال الأسلحة إلى بيت الله الحرام، أو لم يفعل ذلك شيخ المارقين، جهيمان العتيبي كبيرهم الذي بدأ أول عمل إرهابي في بيت الله الحرام، الذي جعله الله مثابة للناس وأمنا، عندما أدخل الأسلحة في توابيت الموتى؟ فلا غرابة في ذلك، لأنّ الإرهابيين يتداخل الدين والكفر في نفوسهم على نحو مريب، ففي الوقت الذي يعدّ الإرهابي نفسه لعمل إرهابي، يدرك إن كان مسلما حقاً أن مرتكبه يخلد في النار، فإنه يتقرب إلى الله بالدعاء وأداء الصلاة، كما فعل كثير منهم، وكما فعل ذاك الإرهابي الذي فجّر مسجد الكويت، فحسب شهادة من أوصله إلى المسجد، أنه أدى الصلاة قبل أن يلبس حزامه الناسف!! لا أظنه كان متوجهًا إلى الله في تلك الصلاة، التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، بل كان متوجها إلى شياطينه الذين زرعوا الكفر والإرهاب وخيانة الله والناس والوطن في نفسه. ومما يبعث على العجب، بل على الضحك أنّ أحد الدعاة كتب في تغريدة له، منكرًا انتماء مفجري مسجد قوات الطوارئ إلى أهل السنة والجماعة ! وهنا نسأله لمن تظن أنهم ينتمون ؟ وهم من أبناء هذا البلد، تعلموا في مدارسه، ودرسوا على معلميه، واقتاتوا على فكر دعاته المتطرفين ؟ ثم لماذا استطاع الدواعش النفوذ إلى نفوسهم والسيطرة على عقولهم، دون غيرهم من أبناء الوطن المسالمين ؟ ألا يحتاج هذا الأمر إلى تفكير وتفكيك لمفرداته من ذلك الداعية، بدلا من إلقاء الكلام على عواهنه؟ وأكثر من ذلك الداعية إثارة للضحك والعجب، ذلك الصحفي الذي ما انفك يسوّق نفسه للقنوات الفضائية بقربه من صانع القرار!! فقد كتب في تغريدة له قائلا ".. نترك كل ما بيدنا، نضع كل جدل جانبا، وننصرف للسؤال : لماذا قتل ابننا أهله وعشيرته وشجعان وطنه؟"، وأضاف " لا تستمعوا لمحلل سياسي، وفقيه، وباحث نفسي، استمعوا لهم وهم يبررون قتلهم وتكفيرهم لنا" بل بالغ في طرحه الغريب منطلقًا من حزبيته، فدعا قبل محاربة الإرهاب إلى إيقاف "حالة الانهيار والفوضى العربية الكبرى". من الغريب جدا دعوته لمحاورة الإرهابيين وسؤالهم عما يقترفون، إذ كيف نحاور من يأتوننا بغتة وعلى حين غرة لقتلنا وتفجير مساجدنا؟ ثم ما علاقتنا بما يحدث في البلاد العربية، من انهيار وفوضى، فذلك شأن تلك الدول، وأحسبه يعني مصرَ، وذلك هو بيت القصيد الإخونجي. لكم أعجبني تعليق أحد القراء مع بساطته، على تلك التغريدة قائلا : " لا يا.... لن نستمع لهم استمع لهم وحدك أنت، نحن نريد أن يستمعوا لصوت السيف وهو يقطع رقابهم الملعونة ويجز رؤوسهم لتتدحرج أمامهم، ليس هناك لغة بعد كل هذا الاجرام الذي وصل إلى مقراتنا العسكرية واستشهد فيها جنود الوطن وحماته، رحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته ". أخيرا، ما أشبه الليلة بالبارحة، وها هو تاريخ الإجرام ومنظومته يتكرران أمام أعيننا، فماذا نحن فاعلون؟
مشاركة :