لا تخلو حياة الواحد منا من رفض ما... رفض مشروع تقدمت به، رفض الفتاة التي تقدمت لخطبتها، رفض توظيفك بعد مقابلة وظيفية.. ورغم شيوع الرفض في حياتنا إلا أنه يظل تجربة سيئة تورث مرارة قد تظل حية في أعماق الكثيرين رغم مضي السنوات... فكيف يمكننا التعامل مع هذا الشعور السخيف؟ في البداية علينا الاعتراف بأن الإنسان كائن اجتماعي، يشكل تقبل الآخرين لنا مصدراً مهماً من مصادر تقديرنا الذاتي.. بدءاً من الطفل الذي ينادي أبويه كي يشاهدا كيف يستطيع «التشقلب» ببراعة.. وصولاً لمن تنفق الآلاف لشراء حقيبة صغيرة كي يرى الناس الماركة التي تحملها.. كلنا نريد أن نكون مرئيين.. أن نشعر أننا موجودون ونحظى باعتراف الناس بنا.. حتى أكثر الناس اعتداداً بالذات ومن يستمد تقديره الذاتي من نظرته لنفسه، سيشعر بضيق إن أخطأ أحد في لفظ اسمه.. أو تجاهل أحد يده الممدودة ولم يسلم عليه.. مهما كنت مستقلاً نفسياً، ستجد الضيق يتسرب إليك حين تصطدم بالرفض. فماذا نفعل؟ في البداية ينبغي الاعتراف بالشعور السلبي حين يأتي. لا تنكر على نفسك حقيقة أنك إنسان يتضايق إذا حدث ما يضايقه. استقبل هذا الشعور واعرف الرسالة التي يحاول أن يوصلها لك. غالباً ما يأتي الشعور السلبي برسالة مفادها أن هناك شيئاً ما خطأ، فما هو هذا الشيء؟ تعلم الدرس الذي يوصله هذا الشعور وستجده يخفت تدريجياً. حسب مذهب العلاج بالتقبل والالتزام ACT يعد كتم المشاعر أو تجاهلها خطأ فادحاً سيزيد حالتك النفسية سواء. بل - كما هو واضح من اسمه، فإن الخطوة الأولى هذا التقبل. دع الشعور يأخذ مجراه كي يمضي لحاله، طالما لم يستمر طويلاً ولم يكن شديداً أكثر من اللازم. هنا يرى علماء العلاج المعرفي السلوكي بضرورة جدال هذه الأفكار المسببة لهذا الشعور.. لماذا يضايقك ما حدث؟ أحياناً يضايقنا شيء خارج نطاق تحكمنا، وهنا علينا أن نضع الموقف في نصابه الصحيح.. إذا قمت بكل ما عليك فعله، فلا مبرر لأن تلوم نفسك. يمكنك أن تلوم الظروف الخارجية لو كان هذا هو السبب حقاً! ضع الأمور في نصابها الصحيح ولا تتحمل مسؤولية تغيير الكون! أحياناً يكون سبب الإخفاق خارجياً، وينبغي عليك الاعتراف بذلك وتبرئة نفسك، لأن طريقة التفكير هذه مفيدة لصحتنا النفسية وتقي من أعراض الاكتئاب، حسب نظرية التفاؤل المكتسب لمارتن سليجمان. كيف نواجه الرفض؟ بالاعتراف بأنه جزء من تجربة الحياة فمن المستحيل أن يحظى المرء بكل ما يريد في الحياة من دون استثناء.. الرفض مثل إصابتك بوعكة صحية أو نزلة برد، شيء يحدث وعلينا أن نتخطاه وننظر للأمام.. فحدوث الرفض ليس شخصياً، ليس معناه أننا مرفوضون وسنظل كذلك.. الرفض ليس سمة شخصية، بل حدث عابر، ونحن نتطور ونتعلم، وفي كل يوم نكون أفضل من اليوم السابق.. وفي أغلب قصص النجاح يكون الرفض سبباً في تحقيق نجاح يفوق كثيراً من حدث الرفض بسببه! عالم حاصل على نوبل تم رفضه في جامعة صغيرة في بداية حياته، أو لاعب كرة رفضه ناد محلي قبل أن يصبح ناجحاً على المستوى الدولي.. طالب الطب الذي قلل أحد الأساتذة من شأنه فكبر ليصبح أعظم جراح قلب في العالم.. تذكر دائماً أن الرفض عابر، ولا ينال من قيمتك واحترامك لذاتك، وأن في حياتك الكثير الذي يعوضه، وأن الحكاية لم تنته بعد!
مشاركة :