بعد الموقف الحازم الذي اتخذته المملكة بوقف تسليح الجيش اللبناني والشرطة، رداً على الموقف اللبناني الرسمي المتخاذل في اجتماع الوزراء العرب في الجامعة العربية في القاهرة، واجتماع منظمة التعاون في الرياض، رغم وقوف المملكة معها قلباً وقالباً في كل الأزمات التي لا تفارقها منذ حلَّ حزب الشيطان بأرضها وأصبح خطراً على لبنان وشعبها لأنه ينتمي لإيران ولولاية الفقيه قلباً وقالباً، يقاتل مع الحوثيين ضد أمن وسلامة اليمنيين، وقاتل ولا زال يقاتل السُّنة في سوريا، كشفت عن الفيديو الذي يصور تدريب الحوثيين في اليمن، ويتحدث عن اغتيالات وعمليات « استشهادية « كما أطلق عليها في اليمن وعلى الحدود السعودية، ليدرك من في قلبه مرض أن المملكة تستند في قراراتها على رؤية حكيمة، ومعرفة ما يدور خلف الكواليس من مؤامرات لزعزعة الأمن، ثم جاء الكشف عن خلية التجسس التي تم القبض عليها أخيراً، وسبقتها خلية أخرى تم القبض عليها في مارس الماضي، مكونة من سعوديين، أي مواطنين، وثلاثة آخرين. هذا العدد من المواطنين السعوديين الذين قبلوا أن يتجسسوا لصالح أعداء وطنهم، أحدث صدمة كبيرة، لأن الثلاثة « تركي، لبناني، مصري « أيا كان جنسه أو انتماؤه، لا يمكن أن يحدث هذه الصدمة التي أحدثها هذا العدد من المواطنين « الجواسيس « لإيران! نظام الجاسوسية يظل يعمل بين الدول خلال الصراعات، حتى في أوقات السلم في مجالات اقتصادية، صناعية، لدواعي التفوق الصناعي ومعرفة اقتصاديات الدول للتبادل التجاري أو المنافسة، لكن الصدمة الكارثية هي أن تكون الخلية مكونة بهذا الحجم من مواطنين سعوديين يعملون لمصلحة عدو يتربص بوطنهم الدوائر، عدو لا يكل ولا يمل من تصدير العداء بكل صورة، زرع الميليشيات الحزبية المسلحة في لبنان والعراق واليمن، وسوريا، وافتعال الأزمات، كحرق السفارة والقنصلية السعودية في إيران احتجاجاً على إعدام مواطن سعودي ضمن 47 إرهابياً. انتماء أي مواطن لابد أن يكون للوطن، مهما كان انتماؤه العقدي، وتوجهاته الفكرية، فالدين لله والوطن للجميع، هذا الأصل في مفهوم الوطن والوطنية، لكن يبدو أن إيران استطاعت من خلال فكرة ولاية الفقيه، ومرجعية « قم « الدينية، التي يسافر إليها كثير من أبناء المذهب الشيعي لتلقي العلم، وزيارة الأضرحة والعتبات المقدسة من مختلف الأوطان العربية، أن تزرع الكراهية في عقولهم لأوطانهم، فاسودت قلوبهم، وتحولوا إلى خناجر في خاصرة الوطن. هذه الخلايا المكونة من 27 سعودياً، تشير إلى أن المفاهيم والمعايير التي قامت عليها الجاسوسية منذ بدايتها وهي قديمة جداً لكننا لم نفطن لها إلا من خلال الأفلام الأمريكية، وأفلام جيمس بوند - بالنسبة لجيلي - لفتت انتباهنا إلى الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي وأمريكا في ذلك الوقت، قبل تفكك الاتحاد السوفيتي، والتحول الى القطب الواحد، وبعد ذلك قرأنا قصص الجاسوسية التي برع فيها الكاتب المصري « صالح مرسى « وتابعنا مسلسلات وأفلام قدمت الجاسوس المصري وعظم دوره في تفوق مصر على إسرائيل في حرب أكتوبر. رأينا كيف يضحي الجاسوس بأمنه وسلامته، ويعاني الخوف والقلق لكن كل هذا يهون من أجل الوطن لا من أجل أعداء الوطن، ومع ذلك يظل مصطلح « جاسوس « غير مستساغ ولا مقبول، حتى الشخص نفسه، يضطر للعزلة كي يحمي نفسه، وإذا كشف من أقرب المقربين أصبح شخصاً لا يوثق به، وموضع شك وخوف، هذا إذا كان في مهمة وطنية، لكن أن يتحول التجسس إلى خدمة يقدمها المواطن لصالح أعداء الوطن فهو تحول خطير في مفهوم التجسس وعلم الجاسوسية. الخائن لوطنه لا يستحق الحياة، لأنه لا يفشي أسراراً حربية فقط، بل يعرض الوطن ومنجزاته ومواطنيه للخطر، لذلك عندما يتم كشف جاسوس مجند لصالح أعداء وطنه يتم نفيه جسديا فوراً، وأحيانا دون محاكمة، لأنه لا يملك دفاعاً ولا مبرراً لما أقدم عليه، أو الإعدام ولعنة تلازمه إلى يوم القيامة. nabilamahjoob@yahoo.com
مشاركة :