في جنوب إفريقيا، تعمل منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام على رفع مستوى الوعي بشأن انعدام الأمن الغذائي ومحاسبة الحكومة على تقصيرها. على سبيل المثال، منذ مارس 2022، نشرت صحيفة Daily Maverick الإلكترونية سلسلة من المقالات تناولت قضية الجوع في جنوب إفريقيا تحت عنوان "العدالة الغذائية". وتعمل منظمات غير حكومية عديدة هناك، مثل Gift of the Givers، على توفير الغذاء للمحتاجين، في حين تمارس مجموعات أخرى الضغوط على الحكومة لحملها على الوفاء بتفويضها بضمان الحق في الغذاء. من المؤكد أن مثل هذه الجهود تسير في الاتجاه الصحيح، لكن لا يزال الطريق إلى تحقيق هذه الغاية طويلا. أما المشكلة الثانية فهي مألوفة في مختلف أنحاء العالـم: إلقاء اللوم على الضحية، مثلما يزعم الساسة في المملكة المتحدة أن الناس يستخدمون بنوك الطعام لأنهم لا يعرفون الطهي أو إدارة ميزانياتهم الأسرية. هذا ادعاء غير دقيق بقدر ما هو هـدام: إن الفوارق البنيوية واختلالات توازن القوى، وليس الاختيارات الفردية، هي التي تؤدي إلى انعدام الأمن الغذائي، فتلحق أعظم الضرر بصغار المزارعين، والفئات المهمشة، والنساء. للتغلب على العيوب الجهازية الأساسية التي أدت إلى الجوع والفقر، يجب أن يكون الناس الأكثر عـرضة لانعدام الأمن الغذائي في قلب الجهود الرامية إلى إنشاء أنظمة غذائية أكثر إنصافا تعمل على تحسين قدرتهم للحصول على التغذية وسبل العيش. وهذا يعني دعم المبادرات التي يقودها المجتمع، والمصممة مع وضع احتياجات الفئات المهمشة في الحسبان. من الأهمية بمكان أيضا وضع سياسات محلية ووطنية تستهدف أوجه الإخلال بالمساواة وتضمن إشراك أولئك الذين يعانون الجوع في عملية صنع القرار على المستويات كافة. تقدم مدينة برايتون وهوف في المملكة المتحدة مثالا طيبا للكيفية التي يمكن أن تعمل بها المنظمات المجتمعية والمسؤولون الحكوميون معا في التصدي للجوع والفقر. من خلال الاستعانة بنهج "النظام الكامل"، الذي بموجبه تعاونت مختلف إدارات الحكومة المحلية (بما في ذلك الصحة والتخطيط والنقل) مع مطابخ المدارس والمنظمات المجتمعية، تمكنت المدينة من تحسين القدرة على الوصول إلى الغذاء الصحي وخفض معدلات السـمنة بين الأطفال. علاوة على ذلك، عملت استراتيجيات الغذاء والفقر الغذائي المتعاقبة منذ 2006 على تمكين أصحاب المصلحة من تحديد القضايا ذات الصـلة وتكييف البرامج حسب الحاجة. وكانت هذه الرؤية بعيدة الأمد، مقترنة بنهج متعدد القطاعات لم يقتصر على المنظمات الغذائية، عاملا أساسيا في نجاح المدينة. في نهاية المطاف، يشكل العمل المنسق ضرورة أساسية لتحقيق نتائج أكثر إنصافا. يتعين علينا أن نتساءل حول الكيفية التي تؤدي بها الأنظمة الغذائية وظيفتها ومن هم أكثر المستفيدين منها. يتعين على الباحثين والناشطين والقائمين على الجمعيات الخيرية أن يعملوا مع القادة على المستويات المحلية والوطنية والعالمية، لتصحيح أوجه القصور البنيوية التي تعيب عمليات إنتاج الغذاء ومعالجته وتوزيعه واستهلاكه. في عالـم ينتج القدر الكافي من الغذاء للجميع، ينبغي ألا نقبل أبدا الجوع بوصفه حقيقة ثابتة من حقائق الحياة. ولا ينبغي لإنسان أن ينهشه القلق بشأن المصدر الذي قد تأتي منه وجبته التالية، أو إذا كانت لا تأتي على الإطلاق. خاص بـ «الاقتصادية» بروجيكت سنديكيت، 2023.
مشاركة :