المشكلات الحقيقية والعميقة التي استعرضها وزير التعليم السعودي، في مقالة خص بها «الحياة»، هي أولاً قوله: «نظامنا التعليمي لا يزال مكبلاً بكم هائل من التحوطات والتوجسات المكتوبة وغير المكتوبة، والمخاوف المكبوتة وغير المكبوتة، والتدخلات ممن يمتلك الخبرة والمعرفة والدراية والحكمة وممن لا يمتلكها، ممن يحشر أنفه في كل قضية، ويفتي في كل شاردة وواردة، وممن يتخوف من كل جديد فيحاول أن يمحو كل فكر مبدع ويسعى إلى تكبيل الميدان بشكوك وهواجس ومعارك صغيرة وتافهة». وهذه أجرأ إشارة لوزير تعليم سعودي توجه إلى اختطاف التعليم، وإلى إدلاء المتشددين من اليمين واليسار السعودي بدلوهم منتقدين دائماً، دونما إبداء حلول عملية وواقعية. لعلي أتفاءل أن الوزير سيكون، كما القيادة السعودية، حازماً وعازماً ويقوم بإبعاد من يعتقد أنهم ساهموا في كل هذه التركة الثقيلة التي أوردها أحد أسلافه قبل 20 عاماً، وأعاد تكرارها مختصرة ومركزة، وبلغة أكثر وضوحاً في مقاله «تعليمنا إلى أين؟». الوزير ربما لا يمكنه فصل موظفين حكوميين، لكن أعتقد أن بإمكانه نقل الكثير منهم، وتدوير البعض، والطلب إلى مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية إعطاءه استثناءات وصلاحيات تتيح له إبعاد أهل التوجسات والوساوس، واستخدام آليات التقاعد المبكر الإجباري، والشيك الذهبي، وأي وسيلة أخرى تراها وزارة الخدمة المدنية حتى يستطيع الوزير أن يختصر المدة اللازمة للإصلاح والتطوير وحل بعض المشكلات. الأمر العميق الثاني هو اعتراف الوزير بقبول المعلم في كليات التربية من دون معايير كافية للتأكد من صلاحيته للتعليم والتربية، ولعل التفاته إلى هذه الناحية التأسيسية المفصلية سيحدث فرقاً في المستقبل، ولعل كلية التربية تتغير هي نفسها، من حيث المناهج ومن حيث كونها الساحة الأولى للصراعات الفكرية التي انتقلت للمدارس ونخرت في التعليم في السعودية. شجاعة الوزير تبدت في حديثه عن المناهج بقوله: «المنظومة المرتبطة بالمنهج لا تزال تسير وفق قاعدة (سددوا وقاربوا)، فلا رؤية واضحة، ولا فلسفة متماسكة، ولا أهداف محددة، ولا ارتباط بين ما يمتلكه المعلم من معارف ومهارات وخبرات وبين المنهج، الذي يتعامل معه ويفترض أن يطبقه. المنهج يتحكم فيه من يؤلف الكتاب المدرسي وغالباً لا يمتلك كثير من المؤلفين الخبرات اللازمة لبناء منهج يطلق لدى الطلاب ملكة التفكير الناقد والأسئلة المحفزة على الإبداع ومهارات الاتصال والتواصل». اعترف الوزير بأن المدرسة وبيئتها لا يحققان العملية التعليمية التي ننشدها، وكل اعترافاته وإعلانه أنه سيبدأ العمل دونما إكثار الكلام مدعوماً بصلاحيات مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية أثلجت صدور السعوديين، خصوصاً وأن تقوية التعليم، وتقوية مخرجاته هي تقوية للسعودية، التي تتغير وتصعد نحو قمم قيادية عالمية، السعودية التي زادت من عزمها وحزمها ووضوحها ودقة أهدافها. سيــــحارَب الوزير كما حــورب من قبله، وسيجتهد من وصفهم بدقة في مقاله في إجـهاض مــشاريعه وخططه، لكن هذه المرة تبدو مختلفة جداً، فالمرحلة سياسياً واقتـصادياً واجتماعياً، بل وحتى عسكرياً لا تحتمل أنصاف الحلول أو الركون إلى الظواهر الصوتية التي أخرت تعليـمنا، وأخرت تحقيق طموحاتنا وأحلامنا، إنها مرحلة «القوة السعودية» التي نستحقها.
مشاركة :