التطور يتخطى ويكشف الوجوه - نجوى هاشم

  • 3/27/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تتردد كلمة "أنانية" دائماً في سياق الأحاديث.. ولا يحصرها عادة المكان أو الزمان.. فالأناني تجده في العمل.. وتجده في الأسرة.. وبين الأصدقاء.. وليس بالإمكان تغييره.. في ظل قناعاته المستمرة بأن.. هذه شخصيته.. وهذا هو.. يعمل كل شيء.. من خلال ما يراه.. وما يعود عليه بالفائدة أكثر مما سوف يتحصل عليه من حوله.. ولا يكتفي الأناني بذلك.. بل قد يحاول أن يبرمج الآخرين كما يشاء هو.. لأنه كما يعتقد أنه الأفضل.. يقول أوسكار وايلد "ليست الأنانية أن يعيش المرء كما يهوى.. بل أن يطلب من الآخرين أن يعيشوا كما يريد هو أن يعيش.."! ولا يعترف الأناني بأنايته.. ومن الصعب أن يتقبل منك مواجهته بذلك.. لأنه يعتقد أنك متحامل عليه.. وتريد أن تشكّله كما تشاء.. وكونه يحب نفسه.. هذا هو الطبيعي.. وأنك لا تختلف عنه حتى وإن روجت عكس ذلك.. وهو بذلك يقصي المسألة الأصلية والتي تثبت أن من يحب نفسه إلى درجة العبادة هو شخص أناني بامتياز.. بل إن الأنانية تتجلى فيه بقوة.. هذه الأنانية تصنع وتُكرس أغلب المصائب وإن قال أحدهم "نصف المصائب من الأنانيين"..! في ظل انسجام الأناني مع نفسه يعتقد أنه يستطيع منفرداً فعل كل شيء.. ولكن هذا غير صحيح.. يقول فولتير "أن تكون أنانياً يعني ألا تكون صالحاً لشيء".. بمعنى أن الصلاحية تأتي من روح الجماعة.. ومن الاندماج داخلها.. فليس هناك شخص عاش لوحده ونجح دون أن يكون للآخرين تأثير عليه أو مساعدة له.. أو تبادل مصالح.. وتعاون.. لأن طبيعة الحياة تقتضي التعاون.. والمؤزارة.. والاحتياج.. وهو الأصل.. لأن الجميع يحتاجون غيرهم.. ولا يمكن أن يبدع شخص دون أن يدفعه غيره.. وهو ما أثبتته الدراسات المتعددة عكس ماحاول الإنسان الأناني إثباته..! ففي دراسة علمية حديثة مثيرة للجدل قال باحثان أميركيان في بيولوجيا التطور بجامعة الدولة في ميتشيغن إنهما توصلا إلى أدلة جديدة معاكسة للنظرية القائلة بارتقاء وتفوق الأنواع الحية التي تتصف بالأنانية.. وكانت دراسات سابقة قد توجت بظهور نظرية عامتشير إلى تفوق الأنانيين في سيرورة الحياة.. وأعلن كريستوفر آدامي البروفسور المشرف على الدراسة "لقد وجدنا أن عملية التطور والارتقاء ستعاقب الأنانيين واللؤماء وأضاف في الدراسة التي نشرتها مجلة نيتشر - اتصالات.. أن بعضاً من الأنواع الحية الأنانية واللئيمة يمكنه بعد مجابهته عدداً من الخصوم المحددين.. التفوق عليهم إلا أن الأنانية لا يمكنها أن تصبح مستدامة في عملية التطور..! وكانت الدراسات التي أحريت على مدار عاماً الماضية قد حاولت فهم عملية تفاعل وتشارك الأنواع الحية فيما بينها ابتداء من الخلية الوحيدة الواحدة إلى الإنسان.. والعام الماضي أعلن العلماء نتائج الدراسة التي كشفت عن نوع جديد من إستراتيجيات التطور والبقاء أطلق عليها خطة "العامل المحدد_صفر" ومنها انطلقت نظرية تدعي أن اللاعبين الأنانيين الذين لا يشاركون الآخرين فعالياتهم ومن هنا كلمة الصفر يضمنون دوماً فوزهم ضد اللاعبين المتعاونين.. وركزوا على معرفة ما إذا كان اتباع خطة العامل صفر سيؤدي ألى التوقف عن تعاون الأنواع الحية تماماً فيما بينها.. الأمر الذي يقود إلى عالم مليء بالأنانيين.. وأكدت الدراسة أن الأنانيين لا يتمكنون من النجاح في التفوق ضد الآخرين من الأفراد المتشاركين والمتعاونين فيما بينهم..! وفي ظل وجود مئات الآلاف من الخطط المختلفة سواء في التعاون أو الانفراد.. فإن الأنانيين لا يتمكنون بسهولة من معرفة خطط خصومهم.. ولذا فلن يتمكنوا من التفوق عليهم كلهم والبقاء.. وحتى لو تمكنوا من البقاء كما يقول الباحثان فإن عليهم إعادة النظر في خططهم والتحول إلى التعاون لكي يستمروا في الحياة والتطور..!! ما توصلت إليه الدراسة انه لا مكان للأنانيين واللؤماء في مسيرة الحياة وان عجلة التطور سوف تسحقهم.. وهذا صحيح وأقرب مثال.. كرة القدم وهي لعبة جماعية من الصعب أن ينجح بها لاعب أناني مهما كانت إمكانياته.. فليونيل ميسي أعظم اللاعبين وأبرعهم والعبقري الوحيد حالياً في تاريخ اللعبة لا يمكنه برغم كل إمكانياته الفنية وقدرته على المراوغة أن يراوغ كل الفريق الخصم أو يحتفظ بالكرة لنفسه وبين أقدامه ليسجل في مرمى الخصم دون أن يوقفه أحدهم أو يصيبه.. فاللعبة جماعية.. ولا يمكن الاحتفاظ بالكرة دون تمريرها للخصم.. ولذلك عندما ميسي يمرر الكرة بأريحية وعدم أنانية للاعب الأقرب للمرمى والقادر على التسجيل.. وهنا تغلّب مصلحة الفريق على مصلحة الفرد مهما كانت سطوته وإبداعه لأنه لا يستطيع أن يؤدي منفرداً.. وعليه أن يمرر لزميل.. وهو ما يشكل نجاح المجموعة وليس الفرد اللامع..!! بعض الناس يتحسرون على الشخص الأناني حيث يقول أحدهم عنه" مسكين الله يعينه على نفسه" بمعنى أن يرحمه الله مما هو فيه.. وجورج أليوت يقول "لا أشفق على الأنانيين لأنهم يحملون أسباب الراحة لأنفسهم.." ربما يقصد أنهم اختاروا مساراً يعنيهم ويريح بالهم.. دون الاهتمام بالآخر إن كان يعنيه الأمر أو لا يهتم به.. فمن تجاربنا نكتشف أن الأناني لا يحب نفسه فقط بل يسعى جاهداً.. ليقنعك أنه على حق.. وهو يستلب حقك منك.. ولا يعرف أو يتجاهل أنك تعرف داخله.. وتعرف أنه يسابق الزمن ليقنعك بما لا يمكن أن يعطيه أو يتنازل عنه..!! najwahashem@live.com

مشاركة :