مشهد الصراعات العام على الساحة الدولية، لم يتغير كثيراً منذ الحرب العالمية الثانية. بالطبع خضعت هذه الصراعات لتطورات متعددة، بما في ذلك توقف بعضها فعلاً، وتأجيل تفاقم أخرى قدر المستطاع، وعلاج لا ينتهي لبعضها الآخر، إلا أن الخسائر الناجمة عنها كبيرة، وترتفع باستمرار، مقابل تراجع «الغنائم» -إن جاز الوصف- الآتية من الحراك الخاص باحتواء ما أمكن منها. والصراعات (ولاسيما تلك المنفلتة) تلقي بظلالها على الجانب الاقتصادي الدولي بالطبع. فلا يوجد صراع من دون خسائر، ناهيك عن الويلات والأزمات والتأثيرات السلبية بعيدة المدى التي يولدها. ولذلك، فإن الإنفاق على هذه الصراعات يجلب الأعباء تلو الأخرى على أطراف هذا الصراع أو ذاك، وفي كثير من الأحيان ترزح هذه الأطراف تحت وطأة الديون مع تراجع الخدمات، وغياب النمو المطلوب. الصراعات وأعمال العنف اليوم متفاقمة ومتفاعلة، حتى بلغت خسائرها على الاقتصاد العالمي في العام الماضي 19.1 تريليون دولار، أي ما يوازي 13.5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ومع وصول الخسائر إلى هذا المستوى المخيف، تتصاعد الصراعات بأشكالها المختلفة لترتفع 20%، وفق مؤشر السلام العالمي الصادر عن «معهد الاقتصاد والسلام». والمشكلة تتفاقم أكثر، مع عدم وجود حراك فاعل وعملي لحل الأضرار الناتجة عنها، واللافت أن هناك 92 دولة في الوقت الراهن، تنخرط فعلاً بأشكال مختلفة في صراعات خارج حدودها، وتتحمل بالطبع الآثار الاقتصادية الكبيرة، بما في ذلك توجيه مزيد من الإنفاق للتسليح، ودعم القدرات العسكرية من خلال العمل على توسيع نطاق الجيوش التابعة لها، بالرغم من أن هذه النقطة الأخيرة لم تعد محورية في ظل التقدم التقني في ساحة السلاح. ولأن الأمر كذلك، فإن إجمالي الإنفاق على تحقيق السلام وحفظه، والبناء على مخرجاته، بلغ العام الماضي نحو 50 مليار دولار فقط، ما يمثل في النهاية أقل من 0.6% من مجموع حجم الإنفاق العسكري، ويبدو واضحاً أن الصراعات ستظل ماثلة على الساحة العالمية لعقود طويلة، لعدم وجود آليات حقيقية فاعلة لإيقافها، وبالطبع ستتواصل الخسائر الناجمة عنها، وهي أموال يمكن أن تحقق نمواً لا حدود له في كل البلدان، ولاسيما تلك التي تعاني أصلاً من أزمات اقتصادية مستعصية تحولت مع الزمن لتكون جزءاً أصيلاً من تاريخها.
مشاركة :