محمد كركوتي يكتب: الصراع مع التضخم مستمر

  • 4/3/2023
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لم تكن رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد من أنصار اللجوء إلى الفائدة لكبح جماح التضخم. ظلت فترة ليست قصيرة تعاند هذا الإجراء الذي تقوم به البنوك المركزية عادة بشكل تلقائي. لكن لاجارد خضعت في النهاية إلى الحقائق على الساحة، وإلى التحول عن استراتيجية ما أصبح يوصف آنذاك بـ«المال الرخيص»؛ أي جلب الفائدة إلى أدنى مستوى لها، حتى وإن بلغت المستوى الصفري. ضغوط التضخم ليست حكراً بالطبع على أوروبا، بل باتت عالمية منذ الاضطرابات التي شهدتها سلاسل التوريد، والحرب الدائرة في أوكرانيا، وهي الأخطر منذ الحرب العالمية الثانية، وتداعيات جائحة «كورونا»، إلى جانب المشاكل التي تعاني منها الموازنات العامة، ولاسيما على صعيد الديون الحكومية التي تجاوزت في بعض الدول حجم ناتجها المحلي الإجمالي. التضخم يتراجع على ساحة منطقة اليورو، ولكن التوتر الحاصل على صعيد النمو يرتفع بشكل سريع، إلى جانب المخاوف من مغبة حدوث تراخٍ في السيطرة الحالية المتواضعة على أسعار المستهلك. واللافت أن تراجع التضخم في هذه المنطقة جاء أكبر من توقعات الخبراء الأوروبيين، وهو أمر يسعد الحكومات في القارة العجوز بشكل عام. لا شك في أن إقدام البنك المركزي الأوروبي على رفع الفائدة نصف نقطة مئوية الشهر الماضي إلى 3.5%، ساهم في انخفاض التضخم إلى 6.9%، بصرف النظر عن أن هذه النسبة تبقى بعيدة كثيراً عن الحد المستهدف وهو 2%. وبصرف النظر عن الارتفاع الملحوظ لأسعار المواد الغذائية، فقد ساهم انخفاض تكاليف الطاقة في تراجع التضخم، وسيواصل على نفس الوتيرة مع خروج أوروبا من الفصول الباردة. اللافت أن التضخم في منطقة اليورو وصل إلى 6.9%، بعد أن بلغ قبل ستة أشهر تقريباً حدود 10.6%، أي أن الوتيرة سريعة، بصرف النظر عن مستوى النمو المأمول في هذه المنطقة. فكل معدلات النمو في الاقتصادات المتقدمة عموماً ستكون متواضعة جداً هذا العام، بسبب التشديد النقدي الذي بات السمة السائدة على الساحات الاقتصادية كلها. وفي مطلع العام الجاري، توقع البنك الدولي ألا يزيد النمو في منطقة اليورو على مستوى الصفر في المائة، ورغم ذلك يعد «إنجازاً» في هذه الظروف بالذات، لأن بديل ذلك لن يكون سوى انكماش يخشى منه الجميع، خصوصاً إذا ما طال أمده بعض الشيء. فحتى الصين التي تمثل مؤشراً مرتفعاً دائماً للنمو العالمي ككل، لن تحقق هذا العام أكثر من 4.3%، في حين أن الاقتصاد الأميركي ربما لن يتجاوز 1% في العام المشار إليه، في ظل إمكانية دخوله دائرة الركود. سيبقى القلق سائداً على الساحة الأوروبية من جهة ارتفاع أسعار المستهلكين، طالما أن السيطرة على التضخم لا تزال غير قوية بما يكفي لإعادة النظر في السياسة المالية المتبعة من البنك المركزي. ففي مراجعته المقبلة من المتوقع أن يرفع الفائدة ربع نقطة مئوية، يتبعها بأخرى في المراجعة التي تليها. «الصراع» مع التضخم سيبقى حاضراً ربما لمنتصف العقد الحالي.

مشاركة :