ليس واضحاً إلى أي مدى يمكن تحقيق النجاح في الحرب الراهنة على الجرائم الإلكترونية، على الرغم من تطوير أدوات هذه الحرب، ومن رصد أموال هائلة في معاركها، ومن فهم الجهات المختصة في هذا البلد أو ذاك طبيعة غالبية الجرائم، وبعض من تحولاتها ومتغيراتها. بالإضافة طبعاً إلى الاستثمارات الضخمة المتصاعدة فيما يعرف بالأمن السيبراني، التي بلغت العام الماضي 150 مليار دولار، بارتفاع نسبته 12% عن عام 2020. وهذه الاستثمارات صارت جزءاً أصيلاً من مخصصات الشركات والمؤسسات حول العالم سنوياً، على أساس أن الخسائر الناجمة عن الجرائم الإلكترونية المختلفة، بلغت حداً فاق كل توقعات المختصين، مع اتساع رقعة الاستخدامات الإلكترونية للمؤسسات والأفراد، حتى في البلدان التي لا تتمتع ببنية تحتية جيدة في هذا المجال. في العام الماضي تحملت شركات التكنولوجيا خسائر مالية هائلة نتيجة توسع نطاق الجرائم الإلكترونية. وبحسب هذه الشركات، فمن المتوقع زيادة تكاليف هذه الجرائم عالمياً خلال الأعوام الخمسة المقبلة بنسبة 15% سنوياً، لتصل إلى 10.5 تريليونات دولار بحلول عام 2025. وهذه الجرائم تشمل سرقة البيانات وبيعها، وتعطيل الأعمال وقرصنتها، وتدمير الاستثمارات، وزيادة عمليات الاحتيال المالي، إلى جانب طبعاً سلسلة أخرى من الجرائم تتعلق بالابتزاز خوفاً من إفشاء معلومات أو مواد لا يريد أصحابها أن تصل إلى عموم الشبكة الدولية. ورغم «مهارات» القراصنة أو المجرمين الإلكترونيين، وتطورها وتجديدها، إلا أن الهجمات الإلكترونية التي يقومون بها، لا تستند إلى هذه المهارة، بقدر ما تتعلق بأخطاء بشرية. فلا غرابة أن تتم أكثر من 80% من الهجمات بسبب هذه الأخطاء. البعض يتحدث عن ضرورة وجود مراكز ضخمة للدفاع الإلكتروني، لكن هذا يتطلب وقتاً، بالإضافة إلى تعاون دولي بلا حدود. لكن أفضل الأدوات الحاضرة دائماً، تبقى تلك المرتبطة بالتوعية من هذه الجرائم بشكل عام، وخصوصاً على صعيد الأفراد الذين يتعرضون أيضاً لمخاطر سرقة بياناتهم حتى من خلال مؤسسات يتعاملون معها. وإذا كانت هناك مؤسسات تعوض المتضررين، إلا أن نسبة كبيرة منها لا تقوم بذلك، لأسباب تتعلق بقوانين عادة ما يوافق عليها الفرد دون أن يقرأ نصوصها. وفي كل الأحوال الهجمات السيبرانية ستتواصل بأشكال ربما تفاجئ حتى الجهات المختصة. ولهذا السبب تضطر بعض الجهات الأمنية حول العالم للجوء إلى المجرمين الإلكترونيين السابقين، أو الذين أعلنوا توبتهم، لمعرفة ما بأذهان القراصنة الذين كانوا «زملائهم» سابقاً، من أجل صناعة ما يمكن تسميته ب «الأمن الوقائي». المستقبل ليس براقاً تماماً في هذا الميدان. فلا يمكن محاصرة القراصنة السيبرانيين، حتى في ظل وجود تقنية معقدة خاضعة للتطوير المستمر. فالوعي يبقى الأساس الذي يمكن أن تستند إليه الجهات الدفاعية، وتحقق النتائج المرجوة في محاولات جعل الشبكة الدولية أكثر أمنناً وأماناً، مالياً واجتماعياً. وتكفي الإشارة إلى أن أكثر من 70% من المؤسسات حول العالم تعرضت بشكل أو بآخر لهجمات إلكترونية ناجحة، بصرف النظر عن حجم الأضرار الناجمة عنها.
مشاركة :