أسس التغيير الإيجابي | د. عبدالإله محمد جدع

  • 7/19/2013
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

يرى وليام جلاسر الذي طبق مبادئه في العلاج الواقعي للسلوك من خلال نظرية (أسس الإرشاد الواقعي) أن الدافع الرئيس لسلوك الإنسان هو محاولته إشباع حاجاته مثل: حرصه بأن يكون محبوبًا نظرًا لما يعانيه في واقع حياته، ثم حاجته إلى تأكيد الذات، وكذلك بناء الهوية التي يجد أنها كادت تفقد منه.. وقبل وليام جلاسر فإن القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة قد اشتملتا على العديد من النماذج السلوكية والتطبيقات العملية في حسن التصرّف في نواحي الحياة وتحت الضغوط والظروف النفسية والاجتماعية المختلفة، وكذلك أسس وأساليب التعديل الواقعي للسلوك، وقد قدّم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نماذج سلوكية رائعة في مواقف حياته تعنى بالنص اللفظي وأسلوب التعلّم عن طريق النمذجة (التعلم من النماذج الضمنية والمحاكاة والضبط الذاتي).. ومن الأمثلة على ذلك أسلوب العلاج أو السيطرة على الغضب وتعلّم الحلم والصبر من خلال التدريب الذي يبدأ بالتكلّف والافتعال إذا لزم الأمر لفترة زمنية وفي الحديث (إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلّم) حتى يصبح جزءًا من المنظومة العصبية والسلوكية للفرد بالتدرج والتصاعد.. ومثال رمضان خير مثال في تهذيب النفس وتدريبها على الصبر، ولذلك كان الهدف من الصوم المعنوي هو التقوى (لعلكم تتقون)، وليس الصوم الحسي بالامتناع عن الأكل والشراب والرفث.. ومن النماذج العملية المشرقة في تغيير السلوك والتي قدّمها صلى الله عليه وسلم في مهارات التواصل الاجتماعي هو أن يبدأ من يقابله بالسلام والبشاشة.. والمصافحة قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)، وكلها قواعد لتهذيب النفس ولين الجانب والتدريب على العفو والتسامح والشورى وغيرها من قواعد إشاعة الحب والثقة، وفي آيات أخرى: (فَٱعْفُواْ وَٱصْفَحُواْ) (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) وحتى في الظروف النفسية القاهرة وما تتعرض له النفس البشرية من ضغوط؛ فإن الخالق العالم بالتكوين والخلق يقول: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ)، وهو تدريب سلوكي إيماني عند تطبيقه عن قناعة وثقة سوف يرفع النفس البشرية من دنس السخط والألم إلى عزّة الرضا والتسليم والراحة النفسية، حتى إن مشاعر الإثم والذنب وما تتركه من تأنيب للضمير ولوم للذات يصف لها القرآن العلاج: (وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا)، وهي بشرى وراحة نفسية وعلاج منهجي واقعي للسلوك.. حتى في التوجيه والتعديل السلوكي الواقعي رسم الإسلام منهجًا رائعًا فقد كان صلى الله عليه وسلم يرشد إلى السلوك المشين بصور غير مباشرة (ما بال أقوام..)، ويعلّم ويسترعي الانتباه إشارة وتلميحًا لا يجرح ولا يقسو ولا يستهزئ ولا يعنّف حتى مع المفسدين ليقينه صلى الله عليه وسلم بأهمية تحقيق هدف التوجيه السلوكي السليم الذي يُغيِّر الفرد للأفضل، ويغرس في قلبه التقوى، وكذلك أساليب التعزيز أو التدعيم التي كان صلى الله عليه وسلم يطبقها بين أصحابه بالثناء على فعل أو الابتسام أمام العمل أو الحث والتشجيع وغيرها في مواقف عديدة يسلك فيها أساليب التعزيز أو التدعيم الإيجابي وكذلك التعزيز التفاضلي وهو ما تحث عليه الشريعة دومًا بما تذكره الآيات والأحاديث عن الفضائل والثواب الذي ينتظر الإنسان في حياته وبعد مماته وآخرته التي يوفّى فيها الجزاء الأوفى.. غير أن ثمة مرشدون لا يجيدون فن التعامل مع أساليب التعديلات السلوكية الواقعية حين يمعنون في التعزيزات السلبية للمخطئين، وعدم مراعاة نظريات التحليل النفسي التي ترجع السلوك غير السوي لعوامل نفسية ومعاناة داخلية في بيئة الفرد وحرمانه، ومن ثم فهم وإدراك نظرية الإرشاد بالواقع على حقيقتها التي تعتبر السلوك الراهن هو جزء من واقع سيئ معاش وظروف تقود إليه وحتى يتم التقويم لا بد من معالجة الظروف وتوفير الصحة النفسية للمخطئ لمساعدته على التغيير بدلًا من التأنيب والعقاب والحرمان، الذي يضعه في ظروف أكثر قساوة وألمًا تجدد عنده الشعور بالغبن والألم والحاجة.. وسلوك الفرد المتشكّل عن مجموعة من العادات قابل للتعديل والتغيير. alshaden@live.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (45) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain

مشاركة :