جاء لفظ المواطنة بمعنى المصاحبة أو المعايشة.. واطن القوم أي عاش معهم في وطن واحد، وطن المكان، وأوطنه أي اتخذه وطنًا، والوطني في لغة القانون الدولي هو المنتمي إلى وطن، أو بلد يتمتع فيه بالحقوق؛ لكونه منتميًا إلى كيانه وعليه بالطبع واجبات.. ويمكن القول بأن الموطن هو تلك البقعة الجغرافية التي يعيش عليها مجموعة بشرية معينّة، فيرتبطون بأرضها، وتسكن وجدانهم، وتنشأ بينهم أشكال من الروابط والعلاقات الإنسانية والعاطفية والثقافية والاقتصادية، ويتقاسمون نفس الهموم والطموحات المشتركة. ويمكن أن تكون المواطنة على صيغة مفاعلة، أي المشاركة، والفعل واطن، وهو مفهوم أفرزه الفكر الحديث للوطن مهما اختلفت اتجاهات أفراده ومذاهبهم أو لهجاتهم ولكناتهم، وكلما ارتفعت ضوابط الشعور بالمواطنة كانت الفرص مواتية لرقى ونهضة هذا الكيان.. وتعدّ المواطنة من المبادئ التي تمثل حقوق الإنسان في الحياة الكريمة الآمنة، وفي ظل العدالة والمساواة، كما تمثل القيم والأخلاق والثوابت التي تحترم في ظل بناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، وبالتالي تصبح معيارًا للحق والواجب، وهذه المقدمة أردتها بداية للحديث عن اليوم الوطني الذي نعيشه في اليومين المقبلين.. ولي ثمة إضاءات في هذا الجانب: * إنه لا ينبغي سوء استغلال الاحتفال بهذا اليوم، فقد أصبحت الناس تتوجس خيفة من ممارسات بعض الشباب والشابات في الطرقات، وبالسيارات، وفي المتنزهات، إذ إنه على الرغم من الجهود التي يبذلها رجال الأمن في الحفاظ على الأمن والسلامة، إلاّ أن ثمة تجاوزات تحصل هنا وهناك في حين نعتقد بأن ثمة تردّدًا في منعهم أو زجرهم ممّا يزيد الوضع ارتباكًا.. ممّا أفضى إلى حوادث سنوية تقع في غمار تلك الاحتفالات. * لا بد من منع مواكب السيارات التي تجوب الطرقات، وتعوق حركة السير؛ لأن في ذلك ضياعًا لحقوق الناس الذين يؤدون أعمالهم، أو المرضى الذين يريدون الوصول إلى مستشفيات للعلاج، أو غير ذلك من الضرورات والحقوق التي يتم التعدّي عليها بحجة الاحتفال باليوم الوطني، فللحرية ضوابطها التي لا تبيح التعدي على حريات الآخرين. * كتبتُ غير مرة في غير عام عن أهمية رصد السلبيات والإيجابيات، وإخضاعها للدراسة من جهات الاختصاص بعد تحليلها واستخلاص نتائج منها بغية تقديم توصيات لآليات الاحتفال باليوم الوطني. * وكتبتُ غير مرة عن أهمية الترتيب للاحتفال الجماعي في الاستادات الرياضية، والإعلان عن ذلك، وتوجيه الشباب لمثل تلك المهرجانات في كل مدينة، وتقديم برامج احتفالية تتخللها بعض اللمحات والمحاضرات والعروض التي تسعى إلى تثقيف المواطن بمفهوم الاحتفالية وهدفها، وتقديم أناشيد وطنية حماسية، واستعراض تجربة الوحدة التي كان لها الأثر الكبير في لمّ شمل أطراف البلاد في وطن موحد يندمج تحت راية الإسلام: ومن المهم في تلك المهرجانات تكريس نبذ العنصرية والتشرذم الذي تُطّل وجوهها كل حين، والرجوع إلى وحدة الدين والوطن، والألفة والكيان مهما اختلفت الأصول والأعراق والمذاهب، فوحدة الوطن وأمنه واستقراره ونهضته ينبغي أن تكون فوق كل اعتبار. * وعلى المثقفين والنخبة دور كبير في تثقيف الشباب وتوجيههم إلى تبني ثقافة المواطنة الصحيحة، وفلسفة الاحتفالية بالمناسبة. وللنوادي الأدبية والغرف التجارية دور ومشاركة سوف تجذب جانبًا من المهتمين وتحول دون سوء احتفالهم في الشوارع. * ولا ينبغي أن ننسى حين الإعداد وتنفيذ ثقافة الاحتفال إعلاميًّا وثقافيًّا ما حرص عليه مؤسس هذا الكيان الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- من ترسيخ مبادئ العدالة والمساواة، واللُّحمة الوطنية الواحدة فلم يفرق بين سكان الحجاز أو نجد، والشمال أو الجنوب، ولذلك حرص -رحمه الله- على اشتراك الجميع وتكريمهم والاعتزاز بهم وطمأنة أصحاب المهن والحرف والخدمات والحقوق، بل إنه استعان بالخبراء من الخارج وكفل لهم الحقوق للمشاركة في نهضة هذه البلاد المترامية الأطراف، والمتعددة اللهجات والأعراق، وكان بُعد نظره يدرك أنه بغير نبذ العنصرية، وبغير تحقيق العدالة والمساواة، واحترام حقوق وأصول ومواطن الناس لن تشهد البلاد نهضة حقيقية.. وقد تحقق له ما أراد، لأن احترام حقوق الناس وأعراقهم هي المواثيق التي احترمتها شريعة الإسلام التي ينضوي الوطن تحت لوائها. * ولذلك لا بد من الضرب بيد من حديد على مثيري الفتن والعنصرية، ونبذ التفريق بين الناس، وتصنيف أعراقهم؛ لأنه داء ما أصاب بلدًا إلاَّ دمّر أركانه. ومثال أمريكا وكندا خير نموذج على وحدة الوطن والكيان، رغم تنوع وتباين أفراد شعوبها التي جاء أفرادها من كل دول العالم لينشئوا الوطن.. بينما أكرم الله هذه البلاد بتعايش أعداد كبيرة من الناس فيها منذ زمن بعيد لا يعرفون غيرها وطنًا، وذلك هو المعيار الوحيد الذي يميز المواطن الحقيقي الذي يضع مصلحة وطنه قبل أي شيء آخر. alshaden@live.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (45) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :