عاش ثلاثة أصحاب في قرية صغيرة تربطهم عرى الصداقة والانسجام، وكانوا يذهبون بين فينة وأخرى للنزهة خارج القرية، يمضون وقتًا ممتعًا، ويتقاسمون كل شيء، ويُحب كل منهم الخير لصاحبه.. وفي ذات يوم أرادوا أن يغيّروا مكان نزهتهم لمزيد من الإثارة، فساروا حتى منطقة جبلية فيها الكثير من الأشجار، ورأوا جبلًا نائيا على قمته خضرة وأشجار أثارت فضولهم فأرادوا أن يتسلّقوه، وبينما هم يصعدون إذا بهم يقابلون كهفًا منزويًا داخل الجبل، فقال أوّلهم دعونا نرى ما في الداخل ونكتشفه، فنُحدّث أهل القرية عنه، وعندما دخلوا وجدوا ما لم يكن في الحسبان أبدًا، فقد كان بالكهف كنز فيه الذهب والألماس، ولما رأوا ذلك توقفوا وقال الأول: أنا صاحب فكرة الدخول إلى الكهف والبحث فيه، ولابد أن يكون لي النصيب الأكبر.. فقال الثاني والثالث: بل كلّنا فكرّنا في اختيار هذا الجبل، فلنقتسم ما في الكنز ونوّزعه بالتساوي، فرضي الأول بالأمر مكرهًا، لكن الطمّع دفعه لأن يضمر في نفسه شيئًا، فقد فكّر أن يخون صاحبيه الثاني والثالث، ويضمر لهما سوءًا، فقال: سأحضر لكما طعامًا حتى تكملا توزيع الكنز بالتساوي.. ثم خرج وأحضر من الجراب الذي تركوه خارج الكهف طعامًا، وعمد إلى أحد الشجيرات السامة المعروفة في المنطقة ودسّ السّم فيه ليدخل عليهما فيأكلان ويموتان، فيفوز بالكنز وحده، وفي ذات الوقت بلغ الطمع بصاحبيه الثاني والثالث مبلغه، فخططا أن يقتلانه فور دخوله بالطعام، فيقسمان الكنز بينهما وتزيد حصة كلّ منهما.. فدخل عليهما بالطعام المسموم فأجلساه وباغتاه ووكزاه فقضيا عليه.. وشرعا يأكلان من الطعام فَرِحَان بما فعلاه، لأنهما سيحظيان بالكنز وحدهما.. فأكلا من الطعام المسموم وماتا على الفور. وتكشف تلك القصة القديمة كارثة الطمع، وما يمكن أن يقود إليه صاحبه، فالثلاثة كانوا متحابين متفقين سعيدين بحياتهم، غير أنهم سقطوا في أول امتحان حقيقي يواجهونه، فقد أغراهم المال ودفعهم الطمع وحب النفس إلى ارتكاب ما يغضب الله، ليفوزوا بحصاد الدنيا ونسوا الآخرة.. وكان يمكن لهم جميعًا أن يستفيدوا من غنائم الكنز لو وزّعوه بالتساوي، ولكن (الطمع يقل ما انجمع)، (لا يُغيّر الله ما بقومٍ حتى يُغيّروا ما بأنفسهم).. إذ إن الطمع لم يضيّع عليهم فرص الكسب والغنى فحسب، بل أودى بحياتهم والعياذ بالله.. وفي حديث ابن عمر الذي أخرجه الترمذي وأبو داود.. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (رأى بعض أصحابه يبني بيتا من جص فقال أرى الأمر أعجل من هذا)، إذ أنكر عليه الصلاة والسلام ذلك، وقد أوردتُ القصة لأن ثمة مشاهد في حياتنا وما حولنا ترزأ النفس بالدهشة.. إذ مازال البعض يصرُّ على الكسب الحرام طمعًا في المال، حتى انه يُحلّل الرشوة ويُبرِّر المصلحة، ويبيح أكل المال العام، وضمّ المواريث إليه، والجري وراء التكاثر في المال والبنيان غير عابئ بمصادر الأموال، أو من ظلمهم بضمِّ أموالهم إلى ماله، أو اغتصب حقوقهم.. وكشف لي صديق عن قصّة أخوين أحدهما لديه إحدى جنسيات دولة خليجية، والآخر على جنسية بلده الأصل، وحتى يتمكن من العمل والمتاجرة في البلد كتب كل شيء باسم أخيه على أساس أن الأهل لا يخونون، غير أنه فوجئ بعد حين من الزمن -وقد راجت تجارتهم- نكران حق أخيه وتجريده من كل شيء.. فما كان من الرجل المظلوم إلا السقوط على الأرض مغشيًا عليه، إذ لم يتحّمل الصدمة، غير أنه نسي أن الله يطّلع من فوق سبع سماوات، وقد نصره بعد أن أصاب أخاه مرض عضال، تمنّى من أخيه العفو عنه.. ومشكلة بعض الناس أن المال يُغريهم، فلا يشبعون أبدًا، وعن حكيم ابن حزام رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال: يا حكيم إن هذا المال خضر حلو فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، كالذي يأكل ولا يشبع، وإن أغلب دوافع الفساد في المجتمع اليوم سببها الطمع وحب المال، فالبعض يريد أن يزداد كيل بعير وسفينة.. ولن يشبع حتى ولو أُعطي مثل جبل أحد.. لذلك كانت القناعة كنزًا لا يفنى، فالإنسان يمكن أن يعيش سعيدًا ويسعد من حوله جميعهم بدون استثناء، وما كفاه كفاهم، ولن يزيد تعدّيه على مال غيره أو أكل حقّه في ماله، بل سينقص منه، وسوف يصلى به السعير والعياذ بالله.. وإن تعثُّر بعض المشروعات وسوء تنفيذها وضعف مخرجاتها ومتانتها اليوم، مردّه الطمع، فتلك المشروعات المتعثرة لا يُصرف في تنفيذها كل المرصود لها، ولكنها تفتّت حتى تصل لمن ترسو عليه من باطن الباطن ضعيفة، لا تسمن ولا تغني من جوع، فيعمد المنفّذ على الاستغلال والبخس في المواد واللعب بالمواصفات، والنتيجة هي ضعف البنى التحتية في بعض المناطق، رغم ما تُنفقه الدولة على تلك المشروعات، لذلك نحن نحتاج إلى بثّ الورع، ونحتاج من هيئة مكافحة الفساد تقديم هؤلاء المتلاعبين للقصاص حتى نُردع كل من تُسوِّل له نفسه التلاعب بأيٍّ من المشروعات القائم على تنفيذها. alshaden@live.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (45) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :