نموذج دبي التطويري | د. عبدالإله محمد جدع

  • 8/30/2013
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

* كتبتُ وتحدّثَ الكثيرون عن دبي، تلك الإمارة الحالمة المتألقة في دولة الإمارات العربية الشقيقة، لكن ما يستوقفني ويستجد في الأمر؛ أنني زرتُ دبي أول مرّة قبل عقد ونصف من الزمن.. وزرتها قريبًا، وزرتُها مُؤخّرًا، فوجدتُ ثمة تحولاّت تستوقف المتأمِّل المُتطلِّع بصدق إلى الأفكار التطويرية الجديدة المختلفة التي تطلّ من خارج الصندوق التفكيري التقليدي المحض. * زرتُ دبي في بدايات انطلاقها في مؤتمرات حضرتها، وفي زيارات رسمية، للاطّلاع على تجارب السوق الحرّة، وأساليب إدارة بعض الخدمات في المطار.. وقد رَكَبَت -حينذاك- دبي موجة السوق الحرّة وارتفعت بها، فسبقت مثيلاتها في الوطن العربي، بل إنها تخّطت حلم مطار شانون في ايرلندا؛ الذي نشأت من خلاله تجارب السوق الحرة بالمطارات.. ولقد خطت دبي خطوات رائدة في ذلك المجال، لأنها قدّمت خدمة مختلفة في مطار مختلف، في حين لا تزال التجارب الأخرى تتراوح ما بين التخطيط والتنفيذ، وكذلك الحال مع المناطق الحرة التي فتحتها فاستقطبت الشركات والمستثمرين بشكل سريع فاجأ العالم، لأنها قدّمت أفكارًا جاذبة للاستثمار تغري الشركات، تتلخّص في امتلاك المستثمر الأجنبي لشركته بالكامل دونما حاجة لشريك محلي، ثم الإعفاء من الضرائب في الاستيراد والتصدير، وحرية تحويل رأس المال، والإعفاء المحدد من الضرائب، مع المساعدة والتسهيل في الحصول على العمالة اللازمة، وقد فتحت تلك الأفكار والمشروعات الفرص لاستقطاب مستثمرين، وتشغيل عمالة محلية، وزيادة سوق الطلب على الممتلكات والخدمات، وانتعاش السوق المحلي في كافة أوجه الاقتصاد. * ثم ظهرت الأزمة الاقتصادية العقارية مع عجز تسديد ديون شركة (دبي العالمية)، وطلب تأجيل استحقاق بعض الديون.. ورغم انتقادات وتنظيرات بعض المحللين والبنوك التي لحقتها الأزمة في أمريكا وبريطانيا، إلاَّ أن حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أوضح في كتابه (رؤيتي) بأن الإمارة تحرص على اتّباع نموذج ابتكاري.. وتحويل نفسها إلى مركز تجاري عالمي محمِّسًا باقي الدول العربية إلى الأخذ بتجربته، وربما كانت المشكلة كما حللتها بعض البحوث تعود إلى الإسراف في التعامل مع الإقراض، والمبالغة فيه، ممّا جعل مصرف الإمارات المركزي يفرض قيودًا على الإقراض العقاري لمنع تشكّل فقاعة جديدة للأزمة.. أمّا الشاهد في الوضع هذا العام فإنه يلاحظ تعافي الاقتصاد. * كما يلاحظ تجاوز مشكلة الازدحام الشديد في الشوارع الذي كان ملحوظًا في دبي بالأعوام الماضية، ولعل أزمة خروج بعض الشركات ورحيل عمالتها كان سببًا، غير أن تشغيل (مترو دبي) يُعدّ عاملاً مهمًّا في التخفيف من حدة الازدحام.. أمّا الطرق فإن الجديد فيها ظهور رسوم إضافية، رغم أنها توقفت منذ مدة، ثم عادت على مرور السيارات ببعض المواقع، وهي رسوم تُعدُّ مرتفعة على مشغِّلي سيارات الأجرة والتأجير.. وكان من الخيارات المطروحة إذا استمر ارتفاع أسعار العقارات، فرض رسوم على أنشطة السوق العقارية.. غير أن نجاح نموذج دبي الملحوظ هو قيامه على فكرة الضرائب المنخفضة، حتى تكسب دبي مكانتها التنافسية مع باقي الإمارات.. ومرة أخرى فإن الملاحظ ازدهار الأسواق الجديدة التي استطاعت أن تضيف إلى تجربة التسوق شيئًا من المتعة والترفيه الذي يجذب كل الأعمار. * أمّا سوق العقارات فيبدو أنه تعافى إلى حد ما، إذ بدأت أسعار العقارات في الارتفاع أو التوازن بعد انخفاضها السابق، مع وجود مشروعات سياحية أخرى، إلاَّ أنه يؤخذ عليها اقتصارها على فئة الأثرياء والقادرين من الزوّار، ومن خلال تجارب الحضارة العمرانية تستوقفك مباني دبي وكذلك أسواقها التجارية المتميزة، فهي تضيف إلى جانب مساحاتها ومحلاتها بعدًا جماليًّا؛ أعطى دبي معلمًا حضاريًّا في فن البناء والذوق في التصميم. * وهناك حضارة الأخلاق التي تسترعي الانتباه في دبي، فهي حضارة أكثر إعجابًا وتقديرًا لأنها تمسّ الإنسان وبناءه، إذ إن السلوك الحضاري في التعامل مع الحضارة والممتلكات والأسواق والتجهيزات هي فعلاً غير ما تجده في باقي الدول، فقد استطاع القانون هناك رفع مستوى التعامل مع تلك المنجزات، لأنه ألغى الفوارق، وتّم تطبيقه على الفرد مهما كان مركزه ومكانته واسمه!! الغريب أنك تجد حتى الأجانب السائقين يبدون إعجابهم بقواعد المرور في الإمارة، التي تراعي العدالة والمساواة، ولا تعترف بالواسطة أو المجاملة مهما كان المخالف أو مرتكب الحادث، وهو سلوك راقٍ متحضر للإدارة الحديثة، وللحقيقة فإن أسلوب وسلوك المواطن هناك يختلف كثيرًا في التعامل مع الآخرين واحترام حقوقهم، وهو ما تلاحظه في الأسواق والمحلات التي تخلو من أشكال المعاكسات والتجاوزات، والاعتداءات على النساء والبنات، أو الإساءة للأجنبي. * ومرة أخرى، فإن لتطبيق قانون الجزاء والعقاب على الجميع دورًا مهمًّا في ذلك السلوك، إلاّ أنك تلمس تطوّر فكر المواطن وحسّه الغيور على المنجزات، بل وحرصه الذي لمسته شخصيًّا على مساعدتك واحترامك ومد العون لك، فتحية متجددة لإمارة دبي وحاكمها وإدارتها الحديثة وفكرها المختلف. alshaden@live.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (45) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain

مشاركة :