يعتبر العقل هو الموجّه الوحيد في تحقيق غرض ما، يقود إلى أهمية الحياة بكل ما يوجد بها، ولدينا مزج كبير بين الإشكالات والأسباب والدوافع، تجمعها نقطة جاذبية واحدة. لهذا يمكن أن يحدث عارض كبير، ولكنْ له دور صغير في الحياة العامة، والتصعيد وتداخل التصورات حوله معتادة، مما يجعل الفارق جوهرياً بين الصواب والخطأ، علما أن اختلاف ردة الفعل متفاوتة من شخص إلى شخص آخر، فمن الناس من يفرط في قبول الإشكالية، ويتحول إلى مفهوم اليائس والعاجز. ومنهم من يجعل ذلك الإشكال أو العارض شكلياً ويجيد التعايش معه، فيؤدي ذلك إلى حدود جبرية تحد من حجم التطلعات لواقع سليم، وتتعذر وسائل الإيجابية لاقتطاع نصيب كبير من حماية المجتمع من الإخفاق، وتتابع الأخطاء المتتالية، والتعود على نمط التوزيع العشوائي والإجحاف بحق المثالية والحقوق والأخلاق. إن نمط الوجود اليومي يفرض على الناس التغاضي عن المستجدات، سواء كانت سلبية أو إيجابية، وهذه حقيقة الذات الإنسانية في المجتمعات العربية، تؤلب على التطويع والخضوع، رغم الرغبات الدفينة والصرخة المؤلمة الخفية، التي تغص قبل أن تكشف عن الألم العميق في العمق، وتفرض سلطانها على الضروريات فقط، فالتعايش مع المشاكل ينتج بيئة غير صحية، وينشر كثيراً من الأوبئة القاتلة. ولعلي أوضح هنا، تعمد التسليم بالأمر الواقع، وقبول الخلل والخطأ في الحياة اليومية، أن ترى بائعاً متجولاً مخالفاً، فتتجاهله، وحفرة كبيرة وسط الشارع، تتجاوزها، وعمالة مخالفة ووضعها مؤذ، تغض الطرف عنها، لا تجد لك مكاناً أو فرصة في مستشفى حكومي، فلا تملك إلا أن تثور في صمت، وتلاحظ استغلالاً غير إنساني من المستشفيات الخاصة، وتمضي بلا أدنى اعتراض، تشاهد خللاً كبيراً في القنوات الفضائية وكماً هائلاً من الجريمة يضخ لبيتك عبرها، تثور داخلياً ولكن بصمت لا تكاد تسمع زمجرتك، تهرب خادمتك وسائقك فلا تبدي إلا إجراء روتينياً مقيتاً بلا تعويض، وأيضاً تظل صامتاً، ويتخفى وراء فضولك عملية رصد قوية تخمد تساؤلاتك وسخطك وحنقك ولكن في حوار خافت مع روحك، وتشاهد ارتفاع تكلفة الأدوية في الصيدليات بشكل خيالي وتشتري وتسير بخطوات ثقيلة إلى الخارج متسائلاً، لماذا هذا الارتفاع المفاجئ فلا تجد أي إجابة مقنعة... تتفاوت أسعار السلع الغذائية في المتاجر وتشتري والجدل يحتدم في صدرك ولكن دون صوت، فلا يمكن التمييز الحقيقي بين الأصلي والمزيف، والوعي بالمغالطات خامد، لا يمحص ولا يتثبت، ولا يستوجب أي اختيار، أخطار نفسية تهدد ذات الإنسان العميقة حين يستسلم لما يصادفه من مغالطات، فلن يجرؤ على التحرر منها، فكل قسم يوجد به خلل وكل مكان محاط بسلبية كبيرة تؤكد بعداً إشكالياً من النقص وسوء التدبير. لذلك لا يحتاج المواطن إلى محام أو إعلامي يطالب بحقوقه، من الشركات والمؤسسات التي شوهت البنية التحتية سواء في الشوارع أو قطاعات أخرى، وتدني عملها الذي يظهر للعيان، إما نتيجة فقر اليد العاملة للعمل والتخصص، أو نتيجة غش وفساد، أين طبيعة الإطار الذي تجري فيه الأحداث، أين صوت الواجب الذي يقع على كاهل المواطن، لماذا لا يشارك في مهام المسؤولية، فكل روح تعيش تحت سقف الوطن، عليها مساعدة الدولة، ومساندة المراحل المتعددة التي تنقي الأجواء من شوائب المخالفات والفساد، والكوادر التي تستغل أماكنها لتمرير مصالحها على حساب الآخرين.
مشاركة :