يرى الخبير في الشؤون الروسية السفير البريطاني الأسبق لدى موسكو أندرو وود في مقاله المنشور مؤخرًا على موقع «أميركان إنترست» أنه يمكن إطلاق لقب «روسيا الصغيرة» على أوكرانيا، مع بعض الفروق في مساحة الحريات التي تبدو أكبر في حالة أوكرانيا . إلى جانب أن الاقتصاد الروسي القوي نسبيًا -رغم تعثره- يدعم الرئيس بوتين في سيطرته على الحكم والحيلولة دون حدوث اضطرابات واحتجاجات شبيهة بتلك التي تشهدها أوكرانيا الآن . كما يعتقد وود أن السبب الحقيقي لاضطرابات أوكرانيا ليس انحياز رئيسها ياكوفيتش إلى جانب الروس وابتعاده عن الاتحاد الأوروبي، وإنما كراهية الأوكرانيين لهذا النظام .وفيما يلي أهم ما تطرق إليه المقال: هناك دروس مما يحدث في أوكرانيا يتوجب على بوتين التعلم منها، حيث يظل تصعيد ياكوفيتش باستخدام القوة أو التنحي كابوسا يؤرق بوتين الذي لم يكن يتوقع ما حدث في اوكرانيا بعد انتصاره الواضح على إثر إجهاض اتفاقية الشراكة بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي . لكن يبدو أن احتجاجات أوكرانيا لا تبدو لها، حتى الآن تأثيرات كبيرة على موقعه في الكرملين الذي نجح في تأمينه بعد فرض سيطرته على الحكومة الروسية بشكل قوي منذ أن كان رئيسًا عام 2000. لكن ذلك لا يمنع وجود خصومة داخل الحكومة، لكن الكرملين يمتلك الان كل الصلاحيات بعد تهميش رئيس الوزراء ميدفيديف. يضاف إلى ذلك أن بوتين استطاع منذ العام 2012 دعم وتقوية جهازه الأمني جنبًا إلى جنب مع الإطار الاستبدادي لحكمه . لكن ياكوفيتش جاء في 15 يناير متأخرًا في تقليده لبوتين الذي تغلب على احتجاجات مماثلة في روسيا عامي 2011 و2012، حيث لم يعد للمعارضة الروسية المنظمة الآن أي وجود تقريبًا. يضاف إلى ذلك ان الدعاية الروسية ضد الغرب نجحت إلى حد كبير في إقناع الروس بأهمية دعم زعيمهم ضد مؤامرات الغرب. وجاءت عودة بوتين إلى الكرملين لتنهي النقاش حول تحرير الاقتصاد والإصلاح السياسي والمشروعات الحكومية العملاقة التي كانت مثار جدل خلال حكم ميدفيديف لصالح بوتين الذي يؤمن بأن الاقتصاد الروسي ينبغي أن يدار مركزيًا من قبل الحكومة الروسية. ويستطرد وود أن أيا من هذه التطورات جاءت مفاجئة، بالرغم من تأمل بعض المحللين السياسيين بتحقيق درجة من الانفتاح. بيد أنه ينبغي النظر إلى مجمل تلك التغيرات بأنها تمثل استعادة منطقية للطريق الذي سبق وأن عبده بوتين عندما أظهر مشاعر بعدم الاكتراث أمام مظاهرات الاحتجاج في ذلك الوقت. وكان واضحًا في برنامجه للحكم خلال حملته الانتخابية التي أكد فيها على أهمية أن يوضع الاقتصاد الروسي تحت سيطرة الحكومة، ولذا فليس من المستغرب أن يصر الآن على الالتزام ببرنامجه الانتخابي سواء زادت الضغوط على الميزانية أم لا. المقارنة ودلالاتها بالرغم من تعثر الاقتصاد الروسي، إلا أن الوضع الاقتصادي في روسيا أفضل بكثير من مثيله في أوكرانيا . من جهة أخرى فإن الأوكرانيين تتوفر لهم خبرة أكبر من الروس في مجال التظاهر والاحتجاجات، وهناك مرونة لدى أوكرانيا في النظام السياسي والاقتصادي والاعلامي أكبر من روسيا . ويبدو المشهد الروسي الراهن بكل الوضوح أن بوتين يحكم روسيا (على مزاجه)، فيما يبدو الأمر على النقيض في اوكرانيا. ويرى بوتين، ويحاول في ذات الوقت إقناع شعبه أن عدم الاستقرار في أوكرانيا يعود إلى التدخل الغربي في شؤونها وهو ما يستوجب على روسيا التمسك بدرجة أكبر من الصلابة بقيمها، لكنه يعلم في قرارة نفسه أن السبب الحقيقي الذي يقف وراء احتجاجات الأوكرانيين هو عدم رضاهم عن طريقة الحكم. والواقع أن أوكرانيا ليست ضحية النزاع بين روسيا والغرب، وهذه هي النقطة التي تجعل بوتين يدرك أنه لا ينبغي عليه أن يدعم ياكوفيتش أكثر من ذلك. لكن بالرغم من كل ما سبق، فإن هناك حقيقة لا يستطيع بوتين التغاضي عنها، وهي ان المجتمع الروسي يتغير. فالشعب الروسي بدأ يدرك إنه في حاجة إلى نظام قانوني وقضائي واضح ومستقل، وإنه لا ينبغي أن يقتصر دخول الحكومة على النخبة . ويمكن ان يستمر بوتين في تسيير نظام الحكم في روسيا (بمزاجه) طالما ظل الاقتصاد الروسي محافظًا على عافيته، لكن أي هزة اقتصادية يمكن أن ينجم عنها احتجاجات سياسية شبيهة بما يحدث في أوكرانيا. مأزق بوتين يظهر بوتين بهذه المواقف محشورًا في نظام أوجده بنفسه. وفكرة إمكانية خوضه انتخابات 2018 ليست مدعاة للتفاؤل، فروسيا تبدو الآن في موقف حرج، وأوكرانيا التي تبدو في نظر العديد من أبناء الشعب الروسي (روسيا الصغيرة) ترسل إشارة بأن ما يحدث فيها اليوم من اضطرابات يمكن أن يحدث في روسيا الكبيرة غدًا، فيما لا يزال بوتين يرفض التنازل عن أي مساحة ذات مغزى لانفتاح حقيقي لشعبه . لكنه حتى لو فعل، فإنه لن يكون بوسع أحد التكهن كيف ستكون النتائج؟!. المزيد من الصور :
مشاركة :