ذهب المصريون بعيداً بطريقة تؤكد أن حس المؤامرة لا يزال المسيطر على الذهنية العربية، ذهبوا إلى مخاوف غريبة عندما حذرت منظمة حقوقية مصرية مما وصفته بخطورة اللعبة الشهيرة «بوكيمون غو»، التي تستلزم فتح كاميرا الهاتف الجوال أثناء اللعب وتتصل بالإنترنت. المنظمة المتحدة الوطنية لحقوق الإنسان في مصر أصدرت بياناً، نعم بيان رسمي حول اللعبة يقول إن «اللعبة تقوم بتصوير المنازل والشوارع وكافة المنشآت الحكومية والوزارات وغيرها على مدار الساعة». وقالت المنظمة في البيان: «إن الكارثة الحقيقية هي القيام بتجنيد الشباب بتصوير الشوارع والعديد من المنشآت المهمة من دون أن يعلم، وكل ما يخطر بباله أنها مجرد لعبة على الإنترنت ولا يدري أنه يقوم بنقل الصورة على الهواء مباشرة لأخطر الأجهزة الأمنية من خلال الإنترنت». وطالبت الأجهزة الأمنية بمنع تلك اللعبة وحظرها تماماً لأنها «إحدى وسائل حروب الجيل الرابع، وإصدار التنبيهات من المواقع الحكومية الرسمية على الإنترنت بإلغاء تلك اللعبة وعدم تحميلها وتوضيح الصورة كاملة للرأي العام حتى لا يقع الشباب فريسة لأطماع الأجهزة المخابراتية الخارجية». حسناً، أعتقد أن تصوير أية نقطة في العالم على الهواء مباشرة لا يحتاج إلى «تجنيد» مستخدمي اللعبة، فمن يريد ذلك من أجهزة المخابرات أو غيرها يفعله مباشرة وعبر الأقمار الاصطناعية والتقنيات التي لا تتاح للاستهلاك العام، لكني أشكر المنظمة المصرية أنها على الأقل تتحدث، أي أنها اهتمت بالأمر، وحللته من وجهة نظرها، ولعل هذا الاهتمام يشمل غيرها من الجهات، وغير مصر من الدول. اللعبة بالفعل خطرة، ليس لأنها ربما تكون وسيلة تجسس، بل لأنها تنضم إلى قائمة السخف «الإنترنتي» المتضمن أشياء كثير تستهلك الوقت والطاقة، وتسبب مزيداً من الانكفاء على الشاشات الصغيرة، دونما حصيلة معرفية أو إنسانية، أو حتى شحذ للذكاء والمنافسة، فهي ترتكز كما فهمت على صيد الأشكار وتجميعها لتحصيل نقاط، ثم ماذا؟ لا شيء. لم يعد سهلاً إقناع الشباب، وكثير ممن هم أكبر سناً أن كثيراً من البرامج والتطبيقات لا تؤسس أو تبني لأي شيء، مجرد إمعان في استهلاك اللحظة، وبناء منظومة فكرية لا ترتكز على أي بناء للفكرة فوق الفكرة بقدر ما ترتكز على استهلاك اللذة فوق اللذة، لذة الحضور مع الجماعة العالمية، ثم ماذا؟ تراسل فوري وألعاب سخيفة وتكريس إدمان نفسي وذهني على «اللا شيء» في حقيقة الأمر. للعبة مخاطر أمنية خصوصاً في الشوارع عند قيادة السيارات، لكن خطرها وخطر مثلها على البشر هو تعطيل العقل، وجعل الأرواح في حال سيئة تتناسب مع حالات تبلد ذهني، وكمون جسماني. قد نتفهم إقبال مراهقين وأطفال على مثل هذه الأشياء، لكن الكبار أيضاً يحاولون اللحاق بركب ليس ركبهم، وهم لا يفعلون ذلك بذكاء يفترض تراكمه مع خبراتهم بل فقط لمجرد الإحساس بأنهم «على الموضة» أو الشعور بحداثتهم، وهذه ليست حداثة أبداً. في الأمر جانب «بيزنس» لا نغفله، لكن من يبيع ليكسب لا يهتم بآثار استهلاك سلعته عليك، بل هو فقط يهمه الأرقام، وأنت مجرد رقم.
مشاركة :