النسخة: الورقية - سعودي تصريحات وعناوين غير دقيقة تسهم في تضليل البوصلة الاقتصادية للفرد العادي، مثل عنوان يقول: «الإيجارات تلتهم نصف رواتب الموظفين»، وبجواره تصريح لنائب رئيس المجلس البلدي في المدينة المنورة يقول: «إنفاق 40 في المئة من الدخل الشهري للسكن»، ومعهما تصريح رئيس جمعية حماية المستهلك بأن المواطن السعودي ينفق نحو 30 في المئة من دخله الشهري على الاتصالات والإنترنت. هذه التصريحات تريد الخير، فالأولان يريدان الضغط على وزارة الإسكان لإنجاز مشاريعها، والمطالبة ببدل السكن للموظفين في الحكومة، والثاني يريد أن تخفض شركات الاتصالات رسومها، لكن كل ذلك مع تكريسه وتكراره في الصحف يصبح جزءاً من ثقافة الناس وبالتالي ممارستهم، كيف ذلك؟ تناقشت مع شاب يبدأ حياته، ويريد أن يستأجر شقة هي بكل المقاييس أعلى من دخله ومستوى معيشته الحالي، فوجدته يجيبني برأي يعتقد أنه مسلَّمة اقتصادية بأن هذا الإيجار في حدود ثلث راتبه! أي أنه ومع تكرار هذه المعلومة في الصحف دخلت في روع الكثيرين على أنها من حقائق الحياة وهذا ليس صحيحاً. بالتأكيد هناك من يسكن بأكثر من ثلث راتبه الشهري، لكنه إما صاحب مال من مصدر غير الوظيفة كالإرث، أو صاحب تجارة، أو حتى ربما فاسد مرتشٍ، وبالطبع هناك «المفشخر» والجاهل الذي لا يعرف إدارة ماليته، لكن أيضاً هناك الواعي، والقنوع، والمكافح، والنزيه، والمخطط للارتقاء بحياته شيئاً فشيئاً. أتساءل: لماذا الأشقاء والأصدقاء من الموظفين غير السعوديين في وظائف ومهن جيدة، لا يستنزفون ثلث راتبهم في السكن، ونحن نزورهم ونرى أنهم يعيشون معيشة لائقة، وبأثاث لائق، ويرسمون حياتهم وفقاً لحاجاتهم، وهم يسكنون المدن نفسها وبعضهم الأحياء نفسها التي نسكنها؟ وأشدد هنا على الموظفين فقط، أما التاجر أو المستثمر أو المتستر عليه منهم فهذا شأن آخر. لا أقول إن الإيجارات رخيصة، لكنني أقول بوجوب الحذر من تعميمات رقمية بنسب مئوية لم يدرسها أحد، وليست معياراً يمكن البناء عليه، وهي في الحقيقة تشبه تعميم صفة التشدد على كل «مطوع» أو الانحلال على كل حليق أو ليبرالي التفكير. إن المسلَّمات التي يأخذها المواطن العادي أو متوسط الدخل من أفواه الخبراء والمسؤولين تصبح جزءاً من قوانين حياته، ونحن نروم أو نسعى إلى ترسيخ ثقافة الادخار مثلاً، أو ترسيخ ثقافة أن قيمة الإنسان لا تحددها شقته أو أثاثه، فتقوض كل هذه الأرقام هذه المبادئ التي تقود إلى تحسين حياته، وتحسين أدائه المالي. بالطبع نحن كبلد غني يرتفع سقف طموحات مواطنيه، وهذا حق لهم، لكن الغنى لن يدوم ما لم نؤسس للفعل الاقتصادي الذي يتكئ على الفرد منتجاً ومدخراً ثم مستثمراً، وليس على ضغوطات نمارسها إعلامياً لتستمر الحكومة في العطاء، ونظل ندور في حلقة مفرغة بين اقتصاد ريعي، وأفراد ينتظرون هذا الريع، وتنفيذيين إحساسهم بالوقت أقلّ مما يجب. mohamdalyami@
مشاركة :