الغرور نَوعَان: نَوعٌ يَخرج صَاحبه عَلى طَبيعته ويَرى نَفسه، ويَلبس ثِيَاب الخيلاء ورِدَاء الغَطرسَة، أما النوع الآخر، فهو الغرور العَكسي، الذي تَحدَّث عَنه عُلَمَاء وفَلَاسفة وأُدبَاء كَثيرون، مِنهم «غازي القصيبي»، حَيث عرَّفه قَائلاً: (الغرور العَكسي هو أَن تَعمل عَكس مَا يَفعله المَغرورون عَادةً، ومِن أَمثِلة ذَلك، أَنْ تَكون بليُونيراً، وتَتنقل في سيّارة يَابَانيّة صَغيرة، وتَستَخدم سَاعة قِيمتها خَمسون رِيَالاً، وتَرتدي «نِعَال زنُّوبَة»)..! والغَريب أنَّ «غازي القصيبي» -رَحمه الله- وَقَع فِيمَا حَذَّر مِنه، حَيثُ أَصدَر كِتَاباً بعنوَان: «في رَأيي المُتوَاضِع»، والإنسَان -كُلّ إنسَان- إذَا وَصف رَأيه بالمُتوَاضِع، فإنَّه يُريد أَنْ يَقول لَه النَّاس: (لَا يَا سيّدي، رَأيُك لَيس مُتوَاضعاً بَل مُمتَاز)..! والأكثَر غَرَابَة أَنَّ «غازي القصيبي» -رَحمه الله- كَتَب في إهدَاء كِتَابه الذي يَحمل عنوَان: «في رَأيي المُتوَاضِع» قَائلاً: (إلَى «يوسف الشيراوي»، الصَّديق الذي لَم يُعرف عَنه رَأي مُتواضِع وَاحِد)..! يَا قَوم، تَأكَّدوا أنَّ كُلّ مَن يَقول: مُداخلتي المُتوَاضعة، أو مَقالي المُتوَاضع، أو مَنزلنا المُتوَاضع، أو كِتَابي المُتواضع، أو قِرَاءَاتي المُتوَاضعة.. إلخ، كُلّ هَؤلاء يُمارسون الغرور العَكسي، لأنَّهم باختصَار يُريدون مِن المُستمع أنْ يَردّ عَليهم قَائلاً: (لَا لَيس مُتوَاضعاً).. وأَذكُر أنَّ أَحَد الأصدقَاء قَال لِي: (أُهدي إليكَ كِتَابي المُتوَاضِع)، فقُلتُ لَه: (المَعذرة، أنَا لَا أقرَأ الكُتب المُتوَاضعة، بَل الكُتب السَّمينَة القَوية الرَّائِعة)..! حَسنًا.. مَاذا بَقي؟! بَقي أَنْ نَقول: أيَّها النَّاس احذَروا الغرور العَكسي، لأنَّه أَقبَح مِن الغرور المُبَاشِر، فالغرور المُبَاشر وَاضحٌ وصَريح، بَينمَا الغرور العَكسي فَاضِحٌ وقَبيح، لأنَّه يَعتمد عَلى الخدَاعِ والتَّدليس. تويتر: Arfaj1 Arfaj555@yahoo.com
مشاركة :