مَفهوم الجَمَاهير مَفهوم مُربك ومُحيِّر، لأنَّ الإنسَان عِندَما يَعمل في القِطَاعات؛ ذَات الطَّابِع الإعلَامي أَو الثَّقَافي أو الاجتمَاعي، يحَار بَين مَا يُؤمن بِه مِن أفكَار، وبَين مَا يُريده الجمهُور مِن رَغبَاتٍ وأهوَاء، ومَا بَينهما مِن شهوَاتٍ وأسرَار..! لقَد قَال عَالِم كَبير: (إنَّ الجمهُور وَحشٌ بأَلف رَأس).. وأنَا أَقول: مسكين مَن يَتعامل مَع الجمَاهير، إذ كَيف يُرضي آلَاف الرُّؤوس، التي تَأتي عَلى شَكل وَحش كَاسِر اسمه «الجمهُور»؟! المُفكِّر يَسعَى إلَى رَفع الذَّائِقَة، والإيمَان بالمَبدَأ، وتَقديم الأكثَر فَائِدَة وجَودة، في حِين أنَّ الجمهُور يَبحث عَن المُستَهْلَك والرَّخيص والجَاهِز؛ الذي لَا يُكلِّفه في التَّفكير، ولَا يُتعبه في التَّأويل والتَّفسير..! لقَد بَدَأَ أَصحَاب الفِكر والمَعرفة؛ يَستسلمون لرَغبة الجمهُور، لذَلك بَدؤوا يَكتبون مَا يُناسبه، وإذَا استَمَرَ عَامِل المَعرفة في التَّنَازُلات، فسيَصل يَومًا مَا إلَى مَرحلة يَكون فِيها أَسيرًا للجمهُور، ولَا يَختلف عَنه، بَل هو دَاخل في نَسيجه، وكَأنَّه وَاحِد مِن المُتفرّجين..! إنَّ الجمَاهير تُحبّ الأخبَار المُسلّية، ولَو كَانَت كَاذِبَة، وتَكره الحقَائق الجَافَّة، وإنْ كَانت صَادِقَة، لذَلك يَجب عَلى مَن يَحمل هَمّ المَعرفة؛ أنْ يَجمع بَين صِفتين صَعبتي التَّوفُّر، وأعنِي بِهما «العُمق والتَّبسيط»، ذَلك العُمق الذي يُشير إلَى الفِكْرَة النَّادِرَة، والخَاطِرَة البَارِعَة، وذَلكم التَّبسيط الذي يُقدّم ويُوضّح ويَشرح الفِكرة العَميقة؛ في وَعاءٍ سَهل التَّنَاول، شَهي المَذَاق..! حَسنًا.. مَاذا بَقي؟! بَقي القَول: إذَا أَردتُم أنْ تَعرفوا؛ مَن مِن أصحَاب الفِكر والرَّأي، الذين استطَاعوا أنْ يَجمعوا بَين العُمق والتَّبسيط، فاقرَؤوا أشعَار المُتنبِّي، وأشعَار نَزَار قبّاني، فهُمَا مَن استَطَاعَا أنْ يَجمعا بَين النَّظريتين، ومَن مِنَّا -سَواء كَان كَبيرًا أو صَغيرًا- لَم يُطربه «السَّهل المُمتنع» في قَول المُتنبِّي: مَا كُلُّ مَا يَتَمَنَّى المَرْءُ يُدْرِكُهُ تَجْرِي الرِّيَاحُ بِمَا لاَ تَشْتَهِي السُّفُنُ تويتر: Arfaj1 Arfaj555@yahoo.com
مشاركة :