يَجب عَلَى الإنسَان أَنْ يُراجع نَفسه، ويُصحِّح مَسَاره، لَن أُبَالغ إذَا قُلت كُلّ لَيلة، بَل كُلّ أسبُوع، أَو شَهر عَلَى الأقَل، وفِي هَذه المُراجعة يُفكِّر ويَتأمَّل مَا مَضَى مِن عُمرهِ، ويُخطِّط ويُطوِّر مَا بَقي مِن مُستقبله، مُعتمدًا -بَعد الله- عَلى إمكَانيَّاته وقُدرَاته ومَواهبه ومُؤهّلاته..! إنَّ مُراجعة النَّفس، والتَّغيير، وتَطوير الذَّات؛ هي مِن الأمُور التي حَثَّنا عَليها القُرآن الكَريم، حَيثُ قَال -جَلَّ وعَزَّ-: (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ). لقَد كُنتُ أَتلُو هَذه الآيَة بشَكلٍ سَريع؛ ولَا أَتدبَّرها حَقَّ التَّدبُّر، حَتَّى نَبَّهني قَبل سَنوَات أَحَد الأصدقَاء؛ إلَى ضَرورة مُرَاجعة كُتب التَّفسير لفَهم عُمقها وعَظمتها..! الحَقيقَة أنَّني عِندَما عُدتُ إلَى كُتب التَّفسير؛ أُصبتُ بالدَّهشَة، وكَأنَّني أقرَأ الآيَة لأَوَّل مَرَّة، وتَوقَّفت طَويلاً عِند دِقَّة الآيَة؛ حِين أَشَارت إلَى أَنَّ التَّغيير لَا يَبدَأ إلاَّ مِن النَّفس، والاشتغَال مِنها، وفِيها، وعَليها، لأنَّ الإنسَان لَو لَم يُحَاسِب ذَاته، ويَبدَأ التَّغيير مِنهَا، لوَجَدَ عَشرَات الأعذَار ومِئات التَّبريرَات..! مَثلاً، إذَا رَسبتَ في الامتحَان، ولَم تُحاسب نَفسك، فمِن السَّهل أَنْ تُلقي باللَّوم عَلى ضَعف المُدرِّس، أَو ضِيق وَقت الاختبَار، أَو العَين، أَو الحَظ، أَو النَّصيب ... إلخ، ولَو لَم تَجد وَظيفة، ولَم تُحَاسِب نَفسك عَلى تَكاسلها؛ ستَجد أَعذَارًا كَثيرة لنَفسك مِثل: «الدُّنيا مَاشية بالوَاسطَة»، أَو «الشَّهَادة مَا تؤكِّل عيش»، أَو غَيرهَا مِن الأعذَار. ولَو ارتَكبتَ خَطأً ولَم تُحَاسِب نَفسك؛ ولَم تُغيِّر مَا بدَاخلها، لوَجدتَ أَلف عُذر مِثل: «الشَّيطَان أغوَاني»، أَو «بَني آدَم ضَعيف»، أَو «لَا أَدري مَا الذي جَعلَني أَفعَل هَذا»... إلخ! حَسنًا.. مَاذا بَقي؟! بَقي أَنْ نَقول: إنَّ هَذه الأعذَار لَن تَكون حَقيقيَّة؛ إلاَّ إذَا بَذل الإنسَان كُلّ مَا في وِسعه، واجتَهد وبَذَل كُل مَا يَتوجَّب بَذله، حِينها يُمكن أَنْ نَضَع اللَّوم عَلى الآخَرين، أَمَّا لَو كَان المَرء مُتبِّلدًا ولَم يُغيِّر ذَاته، فمِن المُستَحيل أَنْ يُقبَل مِنه إلقَاء اللَّوم عَلى الآخَرين..!! تويتر: Arfaj1 Arfaj555@yahoo.com
مشاركة :