بالترتيب نفسه الذي كان متوقعاً تقريباً، وزّعت الأكاديمية الأميركية أوسكاراتها لعام 2014 فجر أمس بتوقيت الشرق الأوسط، من دون أية مفاجآت، بحيث صدق مجدداً التعبير القائل إن المفاجأة كانت غياب أية مفاجأة. أما الملاحظة التي لا بد منها في البداية فهي أن السينمائيين الأميركيين، ومجدداً لأعوام عدة على التوالي، لم يعطوا عدداً ضخماً من الجوائز لفيلم واحد، بل إن الفيلم الذي حصد هذه المرة العدد الأكبر من الأوسكارات لم يكن، كما الأمر في بعض السنين الخوالي، الفيلم ذاته الفائز بجائزة «أفضل فيلم». فالأوسكارات الأكثر عدداً ذهبت إلى فيلم «جاذبية» (7 أوسكارات بينها أفضل مخرج). أما فيلم «12 عاماً من العبودية» الذي اعتبر كما كان متوقعاً تماماً، أفضل فيلم، ليفوز إلى جانب هذه الجائزة الأكثر أهمية بأوسكارين آخرين أقل شأناً هما: أفضل سيناريو مقتبس (جون ريدلي) وأفضل ممثلة في دور ثانوي (لوبيتا نيونغو) فاكتفى بثلاث. فإذا أضفنا إلى هذا فوز فيلم «نادي بائعي دالاس» بثلاث أوسكارات أخرى لا تقل أهمية هي: أفضل ممثل لماثيو ماكنافي وأفضل ماكياج وأفضل ممثل في دور ثانوي (جاريد ليتو)، سيكون في وسعنا القول إن القسمة الرئيسة جاءت عادلة إلى حد كبير، خصوصاً إن تذكرنا أن الأوسكارات السبع التي منحت لفيلم «جاذبية» تضمنت أفضل إخراج للمكسيكي ألفونسو كوارون... إلى جانب أفضل تصوير وأفضل مونتاج (توليف) وأفضل توليف للصوت وأفضل مؤثرات بصرية... أي تماماً ما كان يستحقه فيلم تقوم قوته على أبعاده، التقنية على العكس من الأبعاد الفكرية والإنسانية التي يرتكز عليها الفيلمان المنافسان «12 عاماً من العبودية» و «نادي بائعي دالاس». وطالما ندنو من القيم الإنسانية، لا بد من التنويه بالفوز الذي كان أقرب إلى البديهة، والذي حققته الأسترالية كيت بلانشيت عن أدائها الرائع في فيلم وودي آلان «بلو جاسمين»... فهذه الفنانة التي ما زالت تؤكد حضوراً مدهشاً منذ سنوات في أفلام تعطيها أدواراً رائعة تجعل منها ميريل ستريب جديدة، تمكنت هذه المرة من التغلب حتى على هذه الأخيرة بعد سنوات على نيلها جائزة أفضل ممثلة في دور ثانوي، في تحفة مارتن سكورسيزي «الطيار». وللمناسبة، لا بد من التنويه بأن سكورسيزي نفسه هو الخاسر الأكبر من المولد الأوسكاري لهذا العام، إذ لم يتمكن حتى من تأمين الجائزة الفنية الأسمى في العالم، لممثله المفضل ليوناردو دي كابريو، على رغم أنه كان المرشح والمرجح أكثر من غيره للفوز عن دوره المدهش في «ذئب وول ستريت». ولئن كان هناك خاسر أكبر آخر في الاحتفال الأوسكاري فإنه «نبراسكا» فيلم ألكسندر باين الجديد الذي كان كثر يتوقعون له فوزاً ما، بعدما تمكن قبل شهور من أن يؤمن لممثله الرئيسي، الثمانيني بروس ديرن، جائزة أفضل ممثل في مسابقة مهرجان «كان»... في المقابل لا بد من الإشارة إلى أنه إذا كان المهرجان الفرنسي الكبير فشل في الربيع الفائت في تلمس الأبعاد السينمائية المدهشة للفيلم الإيطالي «الجمال العظيم» من إخراج باولو سورنتينو، فإن محكّمي الأكاديمية – ويتجاوز عددهم خمسة آلاف عادة ويتم اختيارهم من أهل المهنة وتقنييها ونقادها - لمسوا تلك الأبعاد، ليعطوا هذا الفيلم «السينمائي» جداً، والطموح جداً أوسكار أفضل فيلم أجنبي. وهذه جائزة يستحقها بقوة وكان من الإنصاف حصوله عليها، وإن كان من شأن هذا أن «يغيظنا» نحن العرب الذين – وربما لأسباب عاطفية – كنا نتمنى لو تذهب الجائزة إلى واحد من فيلمين عربيين شاركا في الترشيحات الأوسكارية: «عمر» للفلسطيني هاني أبو أسعد، علماً أن الثاني كان «الميدان» للمصرية جيهان نجيم، والذي لم يتمكن من الفوز بأوسكار الفيلم الوثائقي الطويل الذي كان مرشحاً لها... إذ انتزعها «20 قدماً من النجومية». يبقى أن نذكر أن بقية الجوائز توزعت على الشكل الآتي: أفضل فيلم تحريك «فروزن» الذي فاز أيضاً بأفضل أغنية، أفضل أزياء، «غاتسبي العظيم» الذي نال أيضاً جائزة أفضل ديكور، في حين ذهب أوسكار أفضل سيناريو أصلي لفيلم «هير».
مشاركة :