سألني زميلي بل صديقي وأخي السعودي مشترطاً أن أجيبه بصدق ووضوح: هل أستجيب لرغبة ابنتي وزوجها بالسفر هذه الأيام لمصر؟ والحق أن اشتراط الصدق والوضوح فاجأني بل أبكاني!فلما تمهلت قليلاً وظنت به الظنون؛ سارعت مردداً: فوراً دعهما يسافران فوراً.. أنا يا صديقي لا أتلعثم.. أبداً لا أتلعثم.. يسافران فوراً.. أنا لا أدري او أتألم! وأوقن أن من قال لك غير ذلك يكذب ويغش بل يأثم! قال الصديق السعودي «عبدالله» إنه يخشى عليهما مما يقال عن الترصد وعن التلوث وعن الغلاء وعن صعوبة الحياة.. وقلت بلا تردد : سأسر إليك بأمر خطير.. ولست أخاف العلن: دعهما يذهبان لاوفى وأنقى وطن! دعهما يذهبان لمهد الشذى.. يشتبكان ويقاسمان الناس عيشتهم بلا خوف ولا جوع ولا أذى. دعك من كل صارخ ومن كل جاحد ومن كل حاقد واستعذ من شر كل هاذٍ إذا هذى. دعهما يذهبان ويتجولان في دروب الحياة.. حيث مازال الرضا أول ما يرى فوق الجباه.. جباه الكادحين والساعين للرزق.. الود رايتهم والحب أول ما يقال من الشفاه! قال عبدالله وهو بالتأكيد يقرأ معكم هذه السطور إنه يقرأ ويشاهد ويتابع قلت: أوليس الصبح يطلع؟ أوليس النيل يجري؟ أوليس النهر يعطي؟ قل معي لليأس تمهَّل! الناس في بلادي يُفرِّقون تماماً بين ما قد يعتمل في قلوبهم من يأسٍ أو غضبٍ مكتوم على أحوالهم، وبين الاستقبال والترحاب الحميم. دعهما يذهبان في أي حين وفي كل حين.. وأبداً أبداً لن يرياها تبكي أو تستكين.. لا عليهما! دموعها.. دموع مصر.. في القلب الكليم.. تسقط في النهر العظيم.. لكنها تشع في المساء.. في الليل البهيم.. تجري بطولها وعرضها لتمسح كل الهموم. دعهما يذهبان ويجلسان في أي مقهى يحتسيان الشاى أو الينسون وينثران معاني الألفة والبهجة والأمل على أوجه اليائسين. دعهما يشاركونهم الإحساس بكل شيء وفي كل الحالات والشوارع والمساكن وليس مجرد الفرجة على الأماكن. دعهما يذهبان ويستنشقان رائحة الحب والخصب في مصر التي علمت العالم كيف يحب.. يا عزيزي عبدالله.. دعهما يذهبان ودعك من برامج الغارقين في أتون التقلب.. الماهرين في إثارة الجو المصطخب.. المستغرقين في الإلهاء وفي التجهيل وفي الكذب.. دعك ممن يصورون لك كل ليلة لغرض في نفوسهم المريضة أن هواء مصر كلها قد تجرثم وأن مصر كلها في الأيام القادمة ستصبح جهنم! بالتأكيد يخشون من نار غضبها عليهم. أنت أكثر من يدري أن الصبر علمها الصمود.. وأن القهر علمها الصعود.. وأن الضيق علمها النفاذ من الثقوب. دعهما يذهبان ودعك من هذا الشتام اللعان الذي يفتح دكانه الفضائي كل ليلة ليقسم أن بداخله فوهة بركان قبل أن يهذي بسقط الكلام! صبراً صبراً.. ومهلاً مهلاً.. اطمئن وكن قرير العين.. مصر العرب تعرف معنى الانتماء ويدرك أهلها من المنبع الي المصب.. معنى العروبة وشرف النسب. كنت عائداً لتوي من القاهرة حيث مازالت الرائحة.. رائحة مصر الشهامة والصمود والنبل والعروبة بل الأمومة الكادحة! sherif.kandil@al-madina.com
مشاركة :