د. هشام بشير تعددت الجهود العربية والإفريقية والأممية لإيجاد مخرج للأزمة الليبية التي أصبحت تشبه مرض العضال، دونما القدرة على تحقيق النتائج الإيجابية المرجوة، وبالأحرى بدا على تلك الجهود انطباق مقولة جعجة بلا طحن، كما حدث في الثلاثين من أكتوبر/ تشرين الأول من العام الجاري بعد اجتماع وزراء خارجية مجموعة 5 +5 التي تتكوّن من خمس دول من الجانب العربي (تونس، ليبيا، الجزائر، المغرب وموريتانيا) وخمس دول من الجانب الأوروبي (إيطاليا وفرنسا ومالطا واسبانيا والبرتغال)، حيث لم يسفر الاجتماع عن أي نتائج ملموسة لحلحلة الأزمة المستعصية. سبق الاجتماع سالف الذكر إعلان وزراء دول جوار ليبيا في 19 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري في العاصمة النيجرية نيامي تمسكها بالحل السياسي الذي يفضي إلى مصالحة وطنية حقيقية من خلال الحوار الشامل والتوافق بين جميع الأطراف الليبية، مع دعم حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، مع رفضها للتدخل الخارجي في الشؤون الداخلية لليبيا. كما عقدت جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة اجتماعاً ثلاثياً في الخامس والعشرين من شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2016 بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية للتباحث حول توحيد وتنسيق الجهود العربية والإفريقية والأممية الرامية إلى تشجيع الحوار السياسي بين كافة الأطراف الليبية، وتأمين الدعم الدولي والإقليمي اللازم لاستكمال تنفيذ الاتفاق السياسي الليبي الموقّع في مدينة الصخيرات في السابع عشر من ديسمبر/ كانون الأول من العام المنصرم. وقبيل الاجتماع - الذي شارك فيه أمين عام الجامعة أحمد أبوالغيط والممثل الأعلى للاتحاد الإفريقي في ليبيا التنزاني جابا كيكويتي ومبعوث الأمم المتحدة في ليبيا مارتن كوبلر- صرح السفير محمود عفيفي المتحدث الرسمي باسم الأمين العام لجامعة الدول العربية، بأن الاجتماع يأتي في سياق المتابعة المستمرة للنتائج التي توافقت عليها الدول والمنظمات العربية والغربية والإقليمية - على هامش الدورة الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك - والتي شاركت في الاجتماع الوزاري الذي عقد حول ليبيا يوم 22 سبتمبر/أيلول من العام الجاري، كما يأتي لاستكمال البناء على ما أفضى إليه الاجتماع الوزاري لدول جوار ليبيا الذي عقد في العاصمة النيجيرية نيامي يوم 19 أكتوبر/تشرين الأول 2016. وكما كان متوقعاً فقد صدر عن الاجتماع بيان ختامي مشترك تضمن التأكيد على الالتزام بسيادة واستقلال وسلامة ووحدة الأراضي الليبية والعمل على تشجيع تسوية سلمية للوضع بقيادة ليبية، لتمكين ليبيا من استكمال انتقالها الديمقراطي، مع التأكيد على رفضهم لأي تدخل عسكري أجنبي في ليبيا، واتفقت الأطراف الثلاثة على التنسيق للقيام بمهام مشتركة من خلال مبعوثي المنظمات الثلاث إلى ليبيا بهدف تشجيع الأطراف الليبية الرئيسية والمؤثرة في المناقشة الجادة للقضايا الأساسية والخلافية التي يمكن أن تدفع بالعملية السياسية الجارية قدماً، كما شددت الأطراف على الحاجة إلى مقاربة دولية وإقليمية متناسقة وتكاملية لمساندة ليبيا في التعامل مع التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية التي تواجهها. ورحبت في هذا السياق بتجديد عزم جامعة الدول العربية على تعزيز دورها في دعم العملية السياسية، من خلال تعيين ممثل خاص للأمين العام لجامعة الدول العربية إلى ليبيا، كما أعادت الأطراف التأكيد على الحاجة إلى حوار سياسي بناء وشامل بهدف تخطي العقبات التي تواجه تنفيذ الاتفاق السياسي الليبي، وأكدت أيضاً أهمية تنفيذ تدابير متبادلة لبناء الثقة بين جميع الأطراف من أجل تفادي أي تصعيد إضافي للموقف على الأرض، كما رحبت الأطراف بكافة الجهود الهادفة إلى استعادة إنتاج النفط في ليبيا واستئناف تصديره ورفع طاقته، وشددت الأطراف على أهمية وجود قوة عسكرية وأمنية ليبية متماسكة ومهنية تعمل تحت قيادة موحدة كما هو منصوص عليه في الاتفاق السياسي الليبي، وأكدت على الأهمية العليا لتناول هذه الغاية كمسألة ذات أولوية في إطار حوار سياسي شامل بين الأطراف المعنية. وأخيراً اتفقت جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة على الاستمرار في التنسيق الفعال بينها بما في ذلك من خلال عقد اجتماعات ثلاثية دورية في المستقبل، يضاف إلى ذلك أعلن أبو الغيط في مؤتمر صحفي مع كيكويتي وكوبلر عقب الاجتماع أن هناك اسماً عربياً مطروحاً للتعيين كمبعوث خاص للأمين العام للجامعة لليبيا، ولن يكشف عنه في الوقت الحالي، موضحاً أن الشخصية المرشحة ستصل للقاهرة قريباً وستعمل سوياً مع ممثلي الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي. ومن خلال القراءة المتأنية لما أسفرت عنه الاجتماعات سالفة الذكر خاصة الاجتماع الثلاثي في مقر الجامعة العربية، يمكن ملاحظة أن هناك شبه توافق دولي لاستمرار جرعات الدعم المعنوي والسياسي للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج على حساب القوى والأطراف الليبية الأخرى، ومن ثم لم يكن غريباً أن يتهم خليفة الغويل رئيس حكومة الإنقاذ الوطني - المنبثقة عن المؤتمر الوطني والذي عاد مؤخراً إلى المشهد بعد احتلاله مقار المجلس الأعلى للاتحاد في 14 أكتوبر/تشرين الأول الجاري - وقبيل عقد الاجتماع مباشرة المبعوث الدولي مارتن كوبلر بمحاولة فرض اتفاق الصخيرات السياسي على الليبيين. وعموماً أبانت الأحداث التالية في ليبيا بعد الاجتماعات الدولية والإقليمية - سالفة الذكر- عدم تحسن الأوضاع الأمنية في الأراضي الليبية بل تفاقمها إلى الأسوأ فعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد شهدت مدينة الزاوية خلال الأيام القليلة المنصرمة اشتباكات عنيفة بين مئات من المسلحين استخدمت فيها الأسلحة الثقيلة خاصة الدبابات والمدرعات، وسقط فيها عشرات من القتلى والجرحى، كما انفجرت سيارة مساء السبت 29 أكتوبر/ تشرين الأول 2016 في مدينة بنغازي بشرق ليبيا ما أدى إلى مقتل أربعة أشخاص منهم محمد بوقعيقيص، رئيس المنظمة الليبية لمكافحة الفساد، كما عثرت السلطات الليبية على جثث عشرة رجال عليها آثار تعذيب في ضاحية شبنة ببنغازي يوم الجمعة 28 أكتوبر/ تشرين الأول ولم يتضح من وراء مقتل الرجال العشرة. في ضوء تداعيات الأحداث السابقة، أصبح من المؤكد فشل الجهود العربية والإفريقية والأممية في تحقيق أي نتائج ملموسة على الأرض إذا لم يتفق فرقاء الداخل الليبيون على تغليب المصلحة العليا للوطن على حساب النعرات القبلية والمصالح الشخصية والانحيازات الإقليمية، بل إن الاحتمال الأرجح أن تتجه الأمور إلى مزيد من التصعيد. المشهد السياسي يندفع إلى الضبابية خاصة مع استمرار الدعم الدولي اللامحدود للمجلس الرئاسي تحت رئاسة فايز السراج - والمختفي على أرض الواقع - وغياب التوافق بين فرقاء الداخل بما يقود في النهاية إلى أن تصبح ليبيا مرتعاً خصباً جديداً بعد العراق وسوريا للقوى الدولية والإقليمية والمجموعات الإرهابية لفترات طويلة ، فهل يعي هذا الأمر أحفاد عمر المختار؟ * مدير مركز الدراسات الاستراتيجية والاقتصادية بجامعة بني سويف
مشاركة :