الفن المكسيكي يستعرض عنفوانه الجمالي في معرض باريسي يقترح متحف القصر الكبير بباريس على عشاق الفن رحلة إلى المكسيك عبر بانوراما كاملة عن الخلق الفني ما بين عامي 1900 و1950، تشمل الهندسة المعمارية والموسيقى والنحت، ولا سيما الرسم الذي يهمنا بالدرجة الأولى، ويحتوي على أعمال فنية لثلة من الرسامين أشهرهم دفيد ألفارو سيكيروس ودييغو ريفيرا وخوسيه كلميانتي أوروزكو وفريدا كاهلو ورفينو تامايو. العربأبو بكر العيادي [نُشرفي2016/11/14، العدد: 10455، ص(16)] فن جامع بين الأصالة والحداثة منذ استقلاله عن الاستعمار الأسباني عام 1821، شهد المكسيك عدة تقلبات سياسية رافقتها حركات ثقافية نشيطة، حاولت الأخذ بأسباب الحداثة، دون التنكر لتاريخ حافل بأمجاد شعوب المايا والأزتيك. ومن هناك أتى المعرض الذي يقام في القصر الكبير بباريس حتى 23 يناير 2017، حيث يقدم للزائر صورة بلد ذي ثقافة متنوعة، هي مزيج بين تقاليد ضاربة في القدم وابتكارات مذهلة منذ قيام الثورة (1910-1920) حتى منتصف القرن العشرين. فالإنتاج الفني المكسيكي في النصف الأول من القرن الماضي كان بالغ الثراء والتنوع، لا سيما بعد ظهور فن الجداريات، وهو تيار جمالي لا محالة، ولكنه حمل في المكسيك مضامين ثقافية وعرقية وسياسية واجتماعية، وقد برز فيه دييغو ريفيرا (1886-1957) وخوسي كليمانتي أوروزكو (1883-1949) ودفيد ألفارو سيكيروس (1896-1974). هذه اللغة الجمالية الحديثة وجدت سندا لها في قرار الدولة الجديدة التي أرست النظام الجمهوري عام 1867، وسعت إلى خلق هوية تضمّ مختلف شعوب البلاد وتضمن انسجامها، فاتجهت إلى المواضيع التاريخية وفن البورتريه والرسوم التي تؤكد وجود شعب واحد بالرغم من تنوع مكوناته. وقد ترافق ذلك القرار مع إرسال أكاديمية سان كارلوس أهم الرسامين الواعدين إلى الخارج للاحتكاك بكبار الفنانين في العالم والاستفادة من الحركات الطليعية، وبذلك أمكن لدييغو ريفيرا وأنخيل زراغا مثلا أن يمتحا من التكعيبية. يكتشف الزائر في الجزء الأول من المعرض الأماكن التي انطلقت منها الحداثة الفنية المكسيكية، والكيفية التي استلهمت بواسطتها إبداعها استنادا إلى المخيال الجمعي والتقاليد الشعبية في القرن التاسع عشر، وذلك مزج العناصر التاريخية بالفن الأكاديمي الذي تطور بعد قيام الجمهورية، وامتد إلى المبادئ الأيديولوجية للمدرسة المكسيكية للرسم والنحت، إضافة إلى التجارب المتأثرة ببعض التيارات الأوروبية، الفرنسية بخاصة، والتي كان لريفيرا فيها دور الريادة. المعرض يقدم صورة بلد ذي ثقافة متنوعة، هي مزيج بين تقاليد ضاربة في القدم وابتكارات مذهلة منذ قيام الثورة المكسيكية الجزء الثاني يبين كيف أن الثورة المكسيكية، ذلك النزاع العنيف المسلح الذي دام عشر سنوات، حملت معها مشروعا فنيا قوميا جديدا، يتمثل في إعطاء صورة تاريخية لكل مكون من مكونات الشعب المكسيكي، من خلال نشر صور جدارية ضخمة مقامة كصرح، تماما كما كانت الكنيسة تعلم الأميين في أوروبا في العصر الوسيط تعاليم دينهم عبر المشهدية الدينية والسرديات الزجاجية التي تزين رحابها، وبذلك كان الابتكار في الأعوام التالية قائما على محامل أخرى غير محمل اللوحة المألوف، كما في الجداريات والنقوش. والمعرض يركز بطبيعة الحال على أعمال الفنانين المتميزين في فن الجداريات المكسيكي أي “الثلاثة الكبار” كما يطلق عليهم، ونعني بهم ريفيرا وأوروزكو وسيكيروس، فقد ساهموا في تلك الشعائر بشكل واسع، رغم ما في أعمالهم من اختلافات، فأوروزكو يصور عنف الأحداث التي شهدتها المكسيك ويصور ثورة المزارعين، فيما كان سيكيروس، المفتون بالتطور الصناعي والآلات، يتوجه إلى الطبقة الشغيلة أكثر من توجهه إلى المزارعين. أما ريفيرا، الذي عاد إلى المكسيك عام 1921، فهو أكثر الثلاثة اطلاعا على التجارب الطليعية الأوروبية التي رآها عن قرب، فهو الذي ابتكر لغة جمالية تنقل صورة شعبية ضخمة عن الشعب المكسيكي الهندي والخلاسي الموعود بمستقبل قوامه التقدم والمجد، تلك الصور ذات النزعة الاشتراكية والقومية ساهمت في خلق شعور وطني بالفخر. الثورة الذكورية فتحت المجال أمام عدة إمكانات جديدة، ومكنت النساء من الإسهام في المجهود الاقتصادي، وكان أن شجعهن الوضع الجديد على إيجاد مكان لهن على الساحة الفنية، سواء كرسامات أو كراعيات للفنون والآداب. وإذا كان أبرز اسم عرف خارج المكسيك هو فريدا كاهلو (1907-1954)، فإن أسماء أخرى لا تقل عنها قيمة مثل ناهوي أولّين وروزا رولاندا، ظهرت في المرحلة نفسها وكان لها حضور مميز. ففي موازاة جهود خريجي المدرسة المكسيكية للرسم والنحت، برزت عدة محاولات تجريبية طليعية بديلة كانت تبحث عن موقع لها على الساحة الفنية، وتطالب بحقها في المشاركة بعيدا عن المعيار الثوري، غير أنها لم تستطع كسر التيار الطاغي والقائم على الجداريات والفن القومي، وظلت دونه حضورا وانتشارا. هذا الاتجاه شكل الجزء الثالث للمعرض، ويجمع تجارب تقوم على الأقنعة المذهلة كما في أعمال جرمان كويتو، والبورتريهات الملغزة كما في أعمال روبير مونتينغرو، أو اللوحات التجريدية لجيراردو موريّو زماريوس دي زاياس وروفينو تامايو. أما الجزء الرابع الذي يحمل عنوان “لقاء بين عالمين” فيعرض لحضور فنانين مكسيكيين في الولايات المتحدة منذ بداية القرن العشرين، لعبوا دورا هاما في حركات الطليعة التي شهدتها مدن نيويورك وديترويت ولوس أنجلس، إلى جانب فنانين آخرين أفادوا من وجودهم في البلدان الأجنبية، ويؤكد المعرض هذا التبادل كمصدر للانبعاث الدائم. :: اقرأ أيضاً أحلام مستغانمي: دعونا نعلن انتماءنا إلى جمهورية الكتب رحيل الساحر محمود عبدالعزيز الذي خطف قلوب الناس هويدا الظنحاني تكتب القصص في النهايات المؤجلة السجين إكس: جهاديون عابرون للزمن يدخلون العالم في الفوضى
مشاركة :