اشتغالات كميل هنرو في قصر طوكيو الباريسي بقلم: أبو بكر العيادي

  • 11/20/2017
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

اشتغالات كميل هنرو في قصر طوكيو الباريسيفي نطاق الدورة الثالثة لـ”كارت بلانش” التي استهلها فيليب بارّينو عام 2013، وتينو سيغال العام الماضي، يستقبل قصر طوكيو بباريس الرسامة والنحاتة الفرنسية كميل هنرو لتؤثث الفضاء كما تهوى استجابة لفكرة “مطلق الحرية” التي يقوم عليها هذا النوع من النشاط.العرب أبو بكر العيادي [نُشر في 2017/11/20، العدد: 10818، ص(16)]حيل جنونية بانزياحات مذهلة تعتبر الفرنسية كميل هنرو (39 عاما) من الوجوه التي برزت في الأعوام الأخيرة، بفضل تنوّع تجربتها وجرأتها في ابتكار صيغ جديدة سواء في الرسم أو النحت أو في التصوير السينماتوغرافي والتنصيب، وخلق أعمال متعددة الأشكال. والطريف أنها لا تتميز بأسلوب معيّن، بل تمتاز بنهم الاستطلاع وسعة الاهتمامات ورغبة اقتحام شتى الحقول المعرفية من الكوسمولوجيا والأنتروبولوجيا إلى تاريخ الأديان والفلسفة والأدب، لتستلهم منها مادة قد تأتي في شكل لوحة فنية أو منحوتة أو نصب أو شريط فيديو كـ”إرهاق كبير” الذي أهلها للفوز بالأسد الفضي في بيينال فينيسيا عام 1913. وكانت قد تناولت فيه نشوء العالم وأصول البشرية، ففتح لها أبواب أروقة الفنون وقاعات المعارض في الولايات المتحدة مثل متحف “هامر” بلوس أنجلوس والمتحف الجديد بنيويورك، المدينة التي اختارت الإقامة فيها لكونها “أكثر تفتحا على الفنانين وتشجيعا للطاقات الشابة من باريس”، حسب قولها. ولا عجب، فهي وإن مارست الرسم منذ صغرها صحبة أمها في الهواء الطلق، كانت تهوى المطالعة أيضا وتعشق السينما، بل إن أطروحتها التي كلّلت نهاية دراساتها العليا بالمعهد الوطني للفنون الزخرفية، كانت حول “مفهوم التصوير البطيء في السينما”، وشفعتها في المجال التطبيقي الذي تفرضه الشهادة بشريط قصير عن بائعة خضر فقدت رجلها. ولما تخرجت عام 2001، كان حلمها هو أن تجد لها مكانا في الفن السابع، غير أن الحياة اضطرتها إلى مزاولة الرسوم الخطوطية للإعلانات الإشهارية، قبل أن تجد ضالتها في ابتكار أشكال فنية غير مسبوقة، وهو ما نجحت فيه إلى حدّ بعيد.أعمال متعددة الأشكال كما عبّرت كميل هنرو عن وفائها للكتب وتعلقها الدائم بها من خلال معرض “إيكيبانا” ikebana الذي أقيم عام 2012 بباريس، وكان ترجمة لمئة وثلاثين كتابا لمشاهير الكتاب من دانيال دوفو إلى ليفي ستروس، مرورا ببروست وميشيل ليريس وإيمي سيزير وإدوار غليسان، حوّلت فيها كتبهم إلى باقات أزهار على طريقة الفن النباتي الياباني الذي يسمى أيضا “كادو” kado، أي طريق الأزهار، ويُعنى بتشكيل الباقات تشكيلا فنيا، تلك التشكيلات النباتية والأدبية، نجدها هنا أيضا في ختام معرضها الجديد بقصر طوكيو الباريسي في باب “يوم الأحد”، وهو يوم البستنة بلا منازع، وقد استعانت في إعداده هذه المرة بأحد فناني الـ”الإيكيبانا” اليابانيين. وبعد فوزها بجائزة “نام جون بيك” عام 2014، وجائزة “إدوارد مونك” عام 2015، فتح لها قصر طوكيو أبوابه لتؤثث فضاءه الذي يمسح 22 ألف متر مربع كما تهوى، وهي الفكرة التي يقوم عليها مشروع “مطلق الحرية”، فأتاح لها أن تقيم هذا المعرض الضخم الذي تستكشف من خلاله الكيفية التي يهيكل بها الأسبوعُ وأيامُه علاقتَنا بالزمن، تلك العلاقة التي تبدو روتينية معتادة، بينما هي تفرض علينا إدمانا على طقوس وإرغامات عديدة، وتولّد فينا نوعا من الاستلاب. عنوان المعرض “الأيام الكلاب” بالإنكليزية، وهو تعبير مستوحى من ملاحظة الكواكب والنجوم في العصور القديمة، استعمله الإنكليز منذ أواسط القرن السادس عشر بعبارة “دوغدايز”، ويطلق على فترة قيظ تمتد من 11 يوليو إلى 13 أغسطس من كل عام، والعبارة نفسها مأخوذة من الأساطير اليونانية التي تفسر أيام الصيف القائظة بأن سيريوس، وأحد أسمائه نجم الكلب، يصعد إلى الشمس ثم ينزل منها، وهذه الأسطورة نجدها عند المصريين القدامى، وكانوا يرون هم أيضا أن صعود ذلك النجم، ويرمز إليه في الكتابة الهيروغليفية بصورة كلب، يوافق الانقلاب الصيفي. ويحتوي المعرض إذن على سبعة أبواب كبرى، خصّص كل باب منها ليوم من أيام الأسبوع، للتأكيد على بنيتها السرديّة المتأتية من الميثولوجيا، حيث يحيل كل يوم إلى أحد الكواكب السيّارة، فيوم الاثنين يحيل على القمر، والثلاثاء على المريخ، والأربعاء على عطارد، والخميس على المشتري… إلى آخره. ويتجلى كل ذلك من خلال ألوان من الفن متنوعة، قد تتّخذ شكل أصنام بدينة من البرونز، أو لوحات مائية تخرقها خطوط متوتّرة محلاّة بزخرف بديع، أو أكداس أشياء لا تتبيّن أصلها، أو أشرطة ذات دفق عجيب من الصور، أو أنصاب غريبة كالهواتف “الوجودية” التي تفيض عليك بالنصائح حالما ترفع السماعة. والخلاصة أن كميل هنرو فنانة مثقفة فعلا، تحدثك عن فوكو ودريدا وبروست ومالارمي حديثها عن فليني وروسليني وأيزنشتاين وغودار، وكذا دالي ودوشامب ومونك وسائر الحركات الفنية ومدارس الفن المعاصر، وهي إلى ذلك طلَعة تريد طرق كل الأبواب، لا تنفكّ تبهر بتجاربها حتى أقرب الناس إليها. قالت عنها صديقتها الفنانة التشكيلية البولندية ماريا لوبودا إنها تشبه إلى حدّ بعيد شخصية باك في مسرحية “حلم ليلة صيف” لشكسبير، ذلك الجنّيّ الصغير صاحب الحديث الممتع والحيل الجنونية والانزياحات المذهلة.

مشاركة :