قيافة \ بقلم : محمد السحيمي \ الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان: واشنطون العرب!!

  • 12/11/2016
  • 00:00
  • 132
  • 0
  • 0
news-picture

في 1968م حصلت إمارات الخليج العربية على وعد من بريطانيا برفع الانتداب ومنحها الاستقلال التام. وكانت (أبو ظبي) على يد حاكمها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان منذ 1962م، أنضج تلك الإمارات سياسياً وأكبرها مساحة وتعداداً سكانياً، ولكن الوعد بالاستقلال لم يكن مشروطاً بالنضج السياسي؛ فكان من حق كل حاكم أن يستقل بإمارته ويديرها بالطريقة التي يرتئيها، وهو ما يعني - بالنظر إلى الواقع - العودة إلى حكم القبيلة الذي سيؤدي إلى شرذمة الشعوب من جديد؛ ليقدم المحتل نفسه منقذاً للخليج من جديد، ولكن برغبة حكامه واختيارهم الحر، وليس بفرض وجوده بالقوة العسكرية. وهنا لا بد أن يبرز سياسي سابق لزمنه، يفكر للمستقبل الغامض للمنطقة كلها، لا للحاضر الأوضح الأسهل بالنسبة لإمارته، التي يتوارث أجداده حكمها منذ ذياب بن عيسى 1761م. وبغض النظر عن صدق الوعد البريطاني، وبعيداً عن حسابات الثمن البراجماتي الذي لا بد أن يجنيه المحتل مقابل رفع الوصاية؛ فقد فهم الشيخ زايد أن الاستقلال حرية، والحريّة مسؤولية لتقرير مصير الشعوب، وتلك أمانة لا ينحني لها إلا صانع فذ للتاريخ. وقد رفده التاريخ - إضافة إلى أسلوب حكم العائلة التقليدي - بنموذجين معاصرين له: الأول: هو نموذج الدولة السعودية، القائم على مبدأ الشورى الإسلامي، حيث تمكن به الملك عبد العزيز من صناعة أعظم وحدة في تاريخ الجزيرة العربية. والثاني: هو النموذج الكويتي بعد الاستقلال 1961م حيث اختار الشيخ عبد الله السالم الصباح النظام الأميري الدستوري لحكم البلاد. أما بالنسبة للنموذج السعودي، فلم تعد ظروف تكوينه ممكنة، وأهمها الزمن؛ إذ احتاج الملك عبد العزيز إلى قرابة نصف قرن ليقيم مشروعه الضخم، وأما النموذج الكويتي فقد ينجح في حكم إمارة واحدة، بينما كان طموح زايد يتعدى (أبو ظبي) إلى البحرين وقطر إضافة إلى الإمارات السبع، لكن حكام الدولتين فضلوا النموذج الكويتي المنقول جملةً دون تفصيل من نظام الملكية الدستورية البريطاني، ما يعني بقاء روح الانتداب وإن رحل بجسده، وهو ما تنبه له الشيخ زايد مبكراً؛ فكيف له بنظام يضمن رحيل المحتل جسداً وروحاً؟! وهنا رفده التاريخ بنموذج ثالث، لا مثيل له في العالم العربي كله، ولا بذور له في الثقافة الإدارية الشرقية، وكان مجرد التفكير فيه سبقاً يحمده التاريخ لهذا الحاكم البسيط، خريج الكُتَّاب التقليدي، فكيف لو أثبت وعيه العميق بالنموذج، وخطط لتنفيذه بحكمة ثاقبة، وسهر على تحقيقه خمس سنوات من 1968- 1972؟ إنه النموذج الفيدرالي الذي اختاره جورج واشنطون للولايات المتحدة الأمريكية بعد استقلالها بقيادته سنة 1783، عن المحتل البريطاني ذاته. وكما عانى واشنطون والآباء الأحد عشر لأمريكا، فقد عانى الشيخ زايد؛ إذ لم يستجب لرؤيته في البداية إلا حاكم دبي (1958- 1990) الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، ولم يهدرا وقتاً؛ فشكلا نموذجاً عملياً للاتحاد، وظلا يكتبان دستوره ويراجعان بنوده مع بقية الحكام المؤسسين، إلى أن أعلن قيامه على ست إمارات في 3/ 12/ 1971، ولم تلبث إمارة رأس الخيمة أن لحقت بالسبق الفيدرالي في فبراير 1972. ورغم ما واجهه اتحاد الإمارات العربية برئاسة الشيخ زايد (1972- 2004) من تحديات عاتية؛ إلا أن حكيم العرب - كما أطلق عليه أكفاؤه من الملوك والزعماء - كان مستعداً في كل حين لمراجعته وتحديثه إلى أن أصبحت الإمارات اليوم في صدارة البلدان النامية، وأسرعها تطوراً وجذباً للمستثمر الأجنبي، وما زالت تقدم النماذج المدهشة للتنافسية الفيدرالية، في مختلف المجالات، بفضل حاكم ظلت الفيدرالية هاجسه حتى في تأسيس مجلس التعاون الخليجي، الذي يوشك أن يصبح اتحاداً فيدرالياً كما كان يخطط له.

مشاركة :