قيافة \ بقلم : محمد السحيمي\ الدكتور عبد العزيز خوجة: إنما تكرِّم الثقافة نفسها!!

  • 12/23/2016
  • 00:00
  • 107
  • 0
  • 0
news-picture

حين استلم الدكتور عبد العزيز بن محيي الدين خوجة وزارة الثقافة والإعلام في 14/ 2/ 2009م استبشر كل المعنيين بكونه مثقفاً حقيقياً واعياً بمعطيات الحاضر وتطلعات المستقبل؛ وشاعراً رقيقاً لم يفت محبيه ربط تعيينه بيوم الحب! ولكن أخطر ما كان يؤهله ليكون رجل المرحلة هو أنه ربما كان المثقف الوحيد الذي رفض عسكرة الإعلام عملياً؛ بتركه الوزارة منتصف الثمانينات الميلادية - وكان وكيلاً لها - وانتقاله إلى العمل الدبلوماسي سفيراً للمملكة في تركيا 1986- 1992، ثم روسيا إلى 1996، ثم المغرب إلى 2004، ثم لبنان إلى مطلع 2009م. وتلك ميزة ثانية منحته زخماً إنسانياً لا مثيل له؛ من خلال تعرفه على حضارات بشرية مختلفة في هذه الدول العريقة، ومن خلال تمازجه واحتكاكه بثقافات إنسانية متعددة؛ كما قال في آخر لقاء صحافي أجراه معه الزميل محمد الرويلي، ونشرته صحيفة الجزيرة على ثلاثة أجزاء كان آخرها السبت 17/ 12/ 2016م. ولهذا رأى المتابعون أن تعيين مثقف رفض المساهمة في عسكرة الإعلام الداخلي الهاوي مبكراً، ثم انتقل للعمل الدبلوماسي - وعموده الفقري هو الإعلام المحترف - إنما يجسد إرادة الحكومة في إصلاح الإعلام بما ينسجم مع رؤيتها الخارجية، ويتماشى مع معطيات الإعلام البديل المتسارعة بشدة. وكان الجميع يدرك أن البيروقراطية قد تجاوزت بترهُّلها كل المقاييس؛ بحيث أصبحت الوزارة هي التي تحكم الوزير وليس العكس، ولكن التفاؤل كان سيد المشهد الثقافي والإعلامي؛ فإن لم يتغلب عليها عبد العزيز خوجة، فلن يفعل وطني محنك آخر! وعلى قدر ذلك التفاؤل كانت الصدمة عنيفة باستقالة الدكتور عبد العزيز السبيل ، وكيل الوزارة للشؤون الثقافية، والدكتور أبو بكر با قادر، وكيل الوزارة للعلاقات الثقافية الدولية، فعندها أدرك المتابعون أنه مهما بلغ الخوجة من قوة؛ فإنه سيتحرك منذ الآن بلا جناحين كانا يحملان كل الآمال والتطلعات. ورغم ذلك أنجز معاليه ما لن ينكره التاريخ له، كإضافة قناتي القرآن والسنة، وقناة أجيال للأطفال، وخصخصة الإذاعة، واستحداث هيئة الإذاعة والتلفزيون، وهيئة الإعلام المرئي والمسموع. وعلى صعيد حرية التعبير تعهد الخوجة فور استلامه المنصب بعدم إيقاف أي كاتب من قبل الوزارة، وقد وفى بوعده، بل وألغى الحظر على كتب القصيبي 2010ه؛ فلقبناه ب (وزير الشجاعة والإقدام)! لكنه لم يستطع حماية الكتاب من جهات أخرى، كما وقع للكاتب الجماهيري محمد الرطيان بسبب مقال شهير نشرته الوطن، في 14/ 2/ 2010، بعنوان : ( زيتونة و«الرخمة» أوباما)! كما تبيَّن أن إنشاء هيئة الإذاعة والتلفزيون تحت مظلة الوزارة، وعدم استقلالها مالياً وإدارياً، لم يكن إلا حقلاً جديداً ترعى فيه البيروقراطية كما تشاء. أما الضربة المؤلمة للخوجة الشاعر المثقف قبل أي أحد آخر؛ فهي إغلاق نادي الشرقية الأدبي بالشمع الأحمر، وإخضاع رئيسه وبعض أعضائه للاستجواب الجنائي المهين لكل مثقف سعودي. ويبدو أن الوزير الدبلوماسي المثقف وجد نفسه مع البيروقراطية - وهو المتخصص في الكيمياء - خليطاً كالزيت والماء لا يمكن أن يتجانس مهما رججته في إناء واحد؛ ولهذا طلب الإعفاء أكثر من مرة؛ متذرعاً بظروفه الصحية القلبية، ولم يُستجب لطلبه إلا في 5/ 11/ 2014م؛ ليعود إلى الدبلوماسية سفيراً في المملكة المغربية من جديد في 11/ 1/ 2016م، ولعل ذلك يتيح له التفرغ لشعره الذي تناولته عدة دراسات نقدية يغلب عليها المجاملة بدافع الحب الصادق لشخصه الوضيء لا لمنصبه ونفوذه. أما عن تكريمه في مؤتمر الأدباء السعوديين الخامس، الذي عقد مؤخراً. فهو تكريم للثقافة ولكل المثقفين من جيله.

مشاركة :