صراع الخير والشر

  • 12/16/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

كُتب على الإنسان أن يعيش في صراع مع الخير والشر.. صراع لا يتوقف.. بل هو في معركة دائمة يحاول المرء الخيّر فيها أن يكون دائماً الرابح في معركته مع الشر.. ولكن المأساة الإنسانية لديه تبلغ ذروتها حينما يصبح عاجزاً، ومستلباً، ومحذوفاً، خارج المشاركة أو القول، أو الفعل.. ويظل فقط مراقباً لما يدور حوله وهو مكبل بأغلال، وقيود لا تحطم بدنه فحسب وإنما تسحق روحه وتجرفه إلى قاع الضعف والهوان والاستلاب.. لذا فهو يلجأ إلى الأماني الصعبة التي يرى فيها شيئاً من العزاء الكاذب، فالمرء السوي حينما يرى مثلاً ذبح الأبرياء والقتل اليومي الوحشي الشنيع الذي يقع في عالمنا العربي يتفطر قلبه، وتتمزق روحه، ولا يمكنه إلا التوجع، والبكاء، والأنين، والأرق، وتكون أقصى غاية أمانيه أن يتحول قلبه إلى حجر صلب أصم لا يحس ولا يعي ولا يتألم. قديماً كان بعض بني البشر حينما يخفقون وينهزمون في معركة الصراع مع الشر، ويفشلون في مواجهته، ينسحبون بذواتهم إلى العزلة.. العزلة مع الذات، ومن ثم فإنهم ينسحبون من الكون الخارجي من حولهم إلى كون داخلي، مثالي خيّر، يستطيعون فيه أن يحققوا ما خسروه في كونهم الخارجي، فيلجأون إلى الصوامع، والكهوف، والمحاريب، متبتلين منقطعين في غربتهم الروحية، إلى أن يأتيهم اليقين فيخرجهم من كونهم الشرير. وأصعب شيء على المخلوق هو أن يكون وحيداً في بحر من الخلق.. ومن غير شك أن ترويض النفس والروح على هذه الوحدة يحتاج إلى عزم، وإلى صبر صارم طويل وإلى امتحان جسدي عنيف يصل حد العَنَتْ.. غير أن هذا - رغم قسوته – أصبح غير ممكن اليوم، فالإنسان لن يستطيع الخروج من عالمه الخارجي ولو حشر روحه في بيت نملة..!! فوسائل الاتصال وصخبها وضجيجها واختراقها لعقله، ومحاصرتها لسمعه، وبصره في أي نقطة من هذا الكون جعلت من خلوته مع نفسه أمراً مستحيلاً.. رغماً عن كونه طريداً من سربه. وأستطيع أن أجزم أن في عالمنا اليوم آلافاً، بل ملايين من بني البشر الخيرين الذين يحاولون الاعتزال، والاغتراب عن عالمنا المليء بالظلمات، والظلم والمحن والدماء، والكراهية والقسوة، المليء بالجور، والحيف، والعنف والاستبداد والنفاق والرياء حتى ممن ينتسبون الى الصلاح.. المليء بالحيرة، والاضطراب، والقلق، وعدم الاهتداء إلى سواء السبيل.. ولكنهم لم يستطيعوا ولن يستطيعوا فعل ذلك أبداً.. وكل ما يستطيعون فعله أن يجتروا الأماني والأحلام ليس بالطموح إلى عالم مثالي تتغلب فيه نوازع الخير على مكاره الشر.. بل بحلم يتحولون فيه من واقعهم الإنساني الشاعر، الجياش، بالعواطف المحرقة، والمُعذّبة، إلى كتل صماء... فيطيبوا عيشاً لو أنهم أصبحوا حجارة على طرقات الموت والحياة تتحطم فوقها الصعاب.. وتنبو من عليها الأحداث وقديماً قال الشاعر ابن مقبل: ما أَطيِبَ العَيِشَ لو أنّ الفتى حجرٌ تَنَبو الحوادثُ عنه وهَوَ ملمومُ

مشاركة :