ما معنى أن تفوز روائية بحجم السعودية رجاء عالم بعدة جوائز عالمية، ولا تجد لها حضوراً يذكر في الساحة الأدبية والثقافية في وطنها؟ وتبحث عن اسمها في قوائم التكريم، وقوائم الترشيح للمؤتمرات المحلية والعربية والعالمية فلا تجده ولو بالقلم الرصاص؟ وقد يبادر من زوَّر في نفسه الإجابة قبل السؤال؛ فينحي باللائمة على شخص الروائية الزاهدة في الشهرة والأضواء، زهداً أقسى من سلوك حمزة شحاتة، وحسن صيرفي، وعبد الكريم العودة؛ إذ يبدو أنه نتيجة طبيعية لعقل لا يجد متَّسعاً لغير التفكير والإنجاز والإبداع! وهذه الإجابة السريعة الصحيحة إنما تأتي من تقليدنا المتوارث في تكريم الشخص وتجاهل المبدع الذي لا يكون تكريمه بغير طباعة منجزه، ونشره بجميع الوسائل المقروءة والمرئية والمسموعة، وترجمته، ودراسته نقدياً بلا توقف، وإقامة الأمسيات الأكاديمية لقراءته وتحليله دون كلل؛ كما فعل الغرب برواية (الحزام) 2000م، للدكتور أحمد أبودهمان، ورواية (ترمي بشرر) لعبده خال بعد فوزها بجائزة البوكر 2010م، وما ترجم ليوسف المحيميد منذ 2008م . ولكن رجاء عالم لم تحظ حتى بالتكريم الشخصي اللائق، ويستثنى من التنكر لإبداعها محلياً النادي الثقافي بجدة؛ إذ طبع لها رواية (4 صفر) بعد أن فازت بجائزة شرف في مسابقة ابن طفيل 1985، التي نظمها المعهد العربي الإسباني بمدريد، ومسرحية (الرقص على سن الشوكة 1988) ومسرحية (الموت الأخير للممثل) في السنة نفسها، بعد فوزهما بجائزتين خارجيتين أيضاً. ويعود الفضل في ذلك إلى رئيس النادي وقتذاك عبد الفتاح أبو مدين، وسعيد السريحي، وعبد الله الغذامي، عضوي النادي قطبي الحداثة المعروفين. كما يستثنى محلياً بعض الإشارات الأكاديمية الجزئية، كالتي قدمها الدكتور عالي سرحان القرشي للمؤتمر الثاني للأدباء السعوديين 1998م، وفاطمة العتيبي، والدكتور سامي جريدي، في بحوثهما عن الأدب النسوي في المملكة، أما الدكتور معجب العدواني فإن رسالته عن ظاهرة (التناص في رواية طريق الحرير 1995) تجيَّر لجامعة البحرين، حيث حصل بها على درجة الماجستير؛ ليعود السؤال من جديد عن تجاهل السعوديين لمبدعة نالت جائزة البوكر مناصفة 2011م، عن روايتها (طوق الحمام)؛ فاحتفى بها موقع الجائزة، وكُرِّمت شخصياً في المملكة المغربية؛ لأن نصيفها في الجائزة هو الروائي المغربي محمد الأشعري عن روايته (القوس والفراشة). أما كاتب القيافة فيزعم أن ما واجهته وستظل تواجهه رجاء عالم لسنوات قادمة هو الجهل وليس التجاهل؛ وقد كتب في صحيفة مكة، بتاريخ 17/ 3/ 2016 مقالاً بعنوان: (أمة لا تقرأ رجاء عالم تبقى أمية)! فلو تحمس طالب شاب - مثلاً - لدراستها فإنه لن يجد أستاذاً يشرف عليه، ولا لجنة تناقشه! والعذر الوجيه الذي تتشبث به النخبة قبل العامة هو استعصاء أسلوب رجاء عالم، وكثافة صورها المختومة بإحكام بغموض لا يطيق القارئ لفضِّه صبراً، إن وجد الوقت لتصفُّح كتاب ورقي في خضم هذا الانفجار التقني المتسارع، الذي كرس فينا وفي أجيالنا القادمة أن الكتابة يجب أن تكون سهلة واضحة المعنى. وهو أسلوب فريد خاص بها، نقلته رجاء عالم من المسرح التجريبي، إلى الرواية، ومازالت تتفنن فيه؛ فلم تكتفِ بالأبجدية العربية المعروفة؛ فاستخدمت حساب الجُمّل في عناوين الفصول في بعض رواياتها، ولم ترعوِ عند استفزاز القارئ بتتابع وتسارع الصور المجازية المرمَّزة ترميز الصوفية الباطنية، فكتبت بعض سطورها من أعلى إلى أسفل والعكس؛ كتعليقات باحث في حواشي الصفحة!! وبدل أن نتصدى لهذا التحدي السافر، بهمة تجعل من القراءة غاية فلسفية مجردة لا وسيلة معبَّدة، استرحنا إلى إدانة الكاتبة وتحميلها مسؤولية تجاهلنا لنستر جهلنا. وإلى أن نصحح المعادلة ستظل الروائية العبقرية المخلوقة من بطحاء مكة، المعجونة بماء زمزم، كعبة للقراءة: نطوف حولها ولا ندخلها!!
مشاركة :