تشكل الثقافة -من حيث كونها فعلاً ومشروعًا- رافعة أي مجتمع، ومنطلق نهضته المادي والقيمي، لهذا كانت مثار اهتمام كل المصلحين والتنويريين من المفكرين والسياسيين الراغبين في نقل مجتمعاتهم من حالة أدنى إلى مراتب أسمى، ذلك أن الثقافة -بما تعنيه من قيم أخلاقية، وما تعكسه من سلوك حضاري؛ يحكم الفرد ويضبط إطار وعيه وحركته- تمثل المعيار الدقيق للحكم على نهضة أي مجتمع ومدى تطوره. وواقع الحال، فلن يتأتى ذلك بشكلٍ دقيقٍ إلاّ حين تستشري مظاهرها بشكل عملي في أروقة المجتمع ومفاصله المختلفة، وحتمًا فيُعدُّ التعليم من أهم مفاصل الوجدان والسلوك الثقافي المرجو إشاعته ضمن إطار أي مجتمع. وهو الشيء الذي غاب -من قبل - عن بال مخططي مسيرتنا التعليمية، الذين لم يستهدفوا استكمال تعميق سؤال المعرفة في أذهان أبنائنا، ناهيك عن اهتمامهم بتعميق السؤال الثقافي في وجدانهم الفكري والإبداعي. الأمر الذي يعطي تفسيرًا -في جانب ما- لحالة الضمور التي تعيشها الثقافة اليوم، وقلة اهتمام كثير من أفراد المجتمع بمواكبة مسيرتها، وتتبع إنتاجها المتنوّع، حتى ليخيّل إليك وأنت تلج أحد مراكز الثقافة ونواديها في مدننا الكبرى بألاّ أحد في المكان والزمان. والسؤال: هل حالة عزوف المجتمع عن المشاركة في مختلف النشاطات الثقافية تعود إلى رفض مبدئي للفعل الثقافي من أساسه؟ أم مرد ذلك إلى أسباب أخرى؟ في تصوري أن أي مجتمع مُهيأ لأن ينخرط أبناؤه في الفعل الثقافي بشكل إيجابي في حال توفر الرؤية الواضحة للعمل الثقافي، ووجود الإمكانات المادية ولو في حدّها المقبول. ولا أدل على ذلك من تغيُّر حال كل المجتمعات المتقدمة، التي لم تولد مكتملة البناء الثقافي على صعيد الأفراد والمؤسسات، وإنما جاهدت وفق رؤية إستراتيجية لبناء مفاصل نهضتها لبنة لبنة، وتمكنت بقوتها الذاتية من الدفع بإنسانها لبلوغ ما أرادته من تقدم ونمو ثقافي مميّز. من هذا المنطلق أخلص إلى أن بلوغ أي نهضة ثقافية يستلزم أن يتوفر في ثنايا مجتمعها حد أدنى من الدافعية الذاتية على الصعيد المؤسسي بشقيه الحكومي والأهلي، جنبًا إلى جنب، ويدًا بيد، على اعتبار ما يجب أن يكون بينهما من حالة تكامل واسع النطاق. وهو ما نفتقد حضوره في مجتمعنا الثقافي بوجه عام، لعدم وجود التشريعات القانونية الواضحة لتأسيس مراكز ثقافية أهلية، وهي التي سيكون من شأنها المساهمة في تعزيز الحضور الثقافي في ثنايا وجدان مجتمعنا، من خلال تقديم مختلف العروض الفنية كالمسرح والفنون الفلكلورية المتنوعة، علاوة على مقتضيات الفكر والأدب. فهل إلى ذلك سبيل في قادم الأيام؟ تساؤل أضعه بين يدي الجهات المسؤولة. zash113@gmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (51) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :