كفى مكابرة، فقد أنكشف المستور ـ

  • 1/31/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

اعترف الغرب بجريمته أو على الأقل أخذ يتهرب من مسؤوليته عما يجري في دول ما يسمى بالربيع العربي، إلا أن العرب، حكومات ونخب وشعوب، الذين شاركوا في هذه الفوضى بوعي أو بدون وعي لم يعترفوا بأخطائهم وما زالوا يكابرون ويعاندون الواقع والحقيقة التي باتت جلية، الأمر الذي يتطلب مراجعة نقدية حتى من الشعوب نفسها. لم تمر إلا سنوات قلائل حتى بدأت خيوط المؤامرة تتكشف والاعترافات تتوالى من المتآمرين الكبار في واشنطن ولندن وباريس وغيرها من العواصم الغربية، اعترافات عن دورهم في الجريمة التي بدأت باحتلال العراق وإعدام صدام حسين ثم تم تمريرها على العرب تحت مسمى "الربيع العربي"، هذا "الربيع" الذي خلق الفتنة والخراب والدمار وفتت المجتمع والدولة الوطنية واستنزف المقدرات المالية واستباح أرض العرب لكل الطامعين فيها وأصحاب الثارات القديمة من فرس وترك، بالإضافة إلى إسرائيل المستفيد الأكبر مما يجري حيث تعيش عصرها الذهبي مما ساعدها على مواصلة مشروعها الاستيطاني التهويدي في الضفة والقدس، والتغلغل إلى العالم العربي من خلال تطبيع غير مُعلن. إن كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ولحسابات خاصة بالتنافس الحزبي وإسقاط مسؤولية التبعات السلبية لما يجري عن واشنطن، آخر من فضح دور إدارة أوباما/كلينتون في صناعة فوضى الربيع العربي، فقد سبقه كثيرون من الساسة الأميركيين الذي اعترفوا بأن التدخل الاميركي في العراق واحتلاله عام 2003 كان تحت ذريعة معلومات ملفقة كاتهامه بامتلاك أسلحة الدمار الشامل وعلاقته بتنظيم القاعدة، والإدارة الاميركية آنذاك كانت تعلم الحقيقة، إلا أن المركب العسكري الصناعي واللوبي الصهيوني مارسا ضغطا على الإدارة الأميركية لصناعة الحرب في الخليج كما غرروا بالرأي العام الاميركي والدولي لشرعنة هذه الحرب. ففي كلمة للرئيس الاميركي اوباما في أغسطس 2015 وفي مناسبة توقيع الاتفاق النووي مع إيران قال إن الحرب الأميركية على العراق كانت خطأ كبيرا، وإن "العراق تعيش الآن مرحلة من الصراعات الطائفية بالإضافة إلى محاربة تنظيم داعش الإرهابي بسبب القرار الأميركي الخطأ"، موضحاً أن الحرب على العراق وقتل عدو إيران اللدود الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ساهم بشكل كبير في مضاعفة قوة إيران في المنطقة. في مذكرات كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك والتي نشرها بعد انتهاء مأموريته يعترف بأن الحرب على العراق لم تكن قانونية ولا مبررة، بل إن كولن باول وزير خارجية الولايات المتحدة آنذاك يعترف لاحقا بخطأ غزو العراق وأن المعلومات الاستخباراتية التي بررت الحرب لم تكن صحيحة ودقيقة! وفي بريطانيا الشريك الرئيس لواشنطن في الحرب على العراق تم التنصل من المسؤولية عن الحرب وتداعياتها المدمرة. ففي 7 يوليو 2009 شكل رئيس وزراء بريطانيا جوردون براون لجنة برئاسة السير جون تشيلكوت للبحث في دور بريطانيا في الحرب على العراق، وبعد سبع سنوات أصدرت اللجنة تقريرها، وملخصه إن القرار بغزو العراق لم يكن صائبا، مشيرا إلى أنه بني على أخطاء عديدة في التقدير، وشدد على أن تقدير حجم تهديد أسلحة الدمار الشامل العراقية -التي كانت السبب الرئيسي للحرب- جاء دون مبررات مؤكدة وأن الأسس القانونية للتدخل العسكري البريطاني "ليست مرضية". في مقال للكاتب أوين جونز في صحيفة الغارديان البريطانية، علق جونز على تقرير تشيلكوت والمراسلات بين توني بلير رئيس الوزراء البريطاني آنذاك والرئيس الاميركي جورج بوش قائلا "إن ما فعله توني بلير، في العراق لم يكن مجرد خطأ فادحا بل جريمة حرب." وفي نفس السياق قال النائب البريطاني عن الحزب الوطني الاسكتلندي، أنغس روبرتسون، "إن أولئك المسئولين عن حرب العراق ينبغي أن يدفعوا الثمن." أما رئيس الكتلة النيابية للحزب في مجلس العموم البريطاني فقال: "علينا أن نفهم كيف كان من الممكن الذهاب الى الحرب على أساس كذبة في المقام الأول ومن ثم نسأل انفسنا من هم المسئولون عن ذلك وكيف سيواجهون مسؤوليتهم؟" وقال زعيم المعارضة جيرمي كوربن الذي صوت ضد اتخاذ إجراء عسكري، إن التقرير أثبت أن حرب العراق كان "عدوانا عسكريا شن بذريعة كاذبة"، وهذا شيء - كما قال - "يعد غير قانوني منذ فترة طويلة، من قبل الرأي العام الدولي". وفي المرحلة الثانية من المؤامرة على الأمة العربية تحت مسمى الثورات العربية أو الربيع العربي تواصلت محاولات الغرب التهرب من المسؤولية عما جرى ويجري في ليبيا وسوريا واليمن. فالرئيس الأميركي باراك اوباما اعترف في كلمة له في الثاني عشر من اغسطس الماضي بأن اكبر خطأ ارتكبه اثناء فترتي حكمه هي التدخل العسكري في ليبيا، وفي بريطانيا قررت لجنة برلمانية يوم 14 سبتمبر 2016 أن تدخل بريطانيا عام 2011 في ليبيا كان خاطئا ونتيجة معلومات خاطئة، وفي نفس السياق أعترف ‏رئيس الوزراء الفرنسي السابق فرانسوا فيون في تصريحات نُسبت له يوم 13/7/ 201، بخطأ بلاده في الدخل العسكري في أحداث ليبيا عام 2011. إلا أن أكثر الاعترافات الرسمية صراحة كان اعتراف رئيس وزراء إيطاليا سيلفيو برلسكوني الذي شاركت بلاده في التدخل العسكري في ليبيا، ففي مقابلة مع وكالة انباء “اينا” الايطالية الرسمية قال "إن ليبيا لم تشهد ثورة، وأن بريطانيا وفرنسا هما اللتان فبركتا هذه (الثورة) لتبرير تدخلهما العسكري من أجل الاستيلاء على النفط والغاز الليبيين، والشعب الليبي كان يعيش اوضاعا معيشية جيدة وبلده مستقر". ولم يقتصر الأمر على هذين البلدين بل حاولت واشنطن ان تتبرأ من المسؤولية عما يجري في اليمن أيضا، حيث صرح كولن باول وزير الخارجية الأميركي الأسبق لمحطة فوكس الاميركية "إن بلاده أخطأت بترك السعودية تهاجم اليمن وكان عليها ألا تصدق وعودهم." وفي سوريا جر الغرب حكومات عربية وتنظيمات إسلامية لتحارب نيابة عنه ولينفذوا مخططاته، بوعي منهم أو بدون وعي. وقد تأكدت أكذوبة أن التدخل الاميركي في العراق كان دفاعا عن الشعب العراقي في مواجهة نظام استبدادي يهدد شعبة والسلام العالمي، فخلال ثلاثة عشر سنة من احتلال العراق زادت الممارسات القمعية وتفشت الطائفية وأصبح القتل على الهوية وفي شهر واحد يُقتل من العراقيين ما يزيد عما قتلهم صدام حسين طوال عهده، بالإضافة إلى تدمير الدولة الوطنية، وهي الدولة التي جعل منها صدام حسين الأكثر تطورا علميا وتكنولوجيا في العالم العربي، والأقوى عسكريا في الشرق الأوسط – تمت محاكمة صدام حسين ومعاونيه بناء على اتهامات بقتل 148 شخصا في قرية الدجيل عام 1982. نفس الأمر في ليبيا فبعد أن كانت دولة واحدة موحدة واستطاع معمر القذافي أن يقضي على الأمية وينهض بالتعليم ويقضي على الفقر، فقد عادت ليبيا بفضل "الربيع العربي" لزمن القبلية والطائفية ومرتعا لجماعات مسلحة من كل حدب وصوب، بالإضافة إلى تبديد ثروة البلاد. ولم يخرج ما يجري في سوريا عن هذا السياق. صحيح أن النظام السياسي في تلك البلدان لم يكن ديمقراطيا إلا أنه استطاع الحفاظ على وحدة الدولة والشعب ووضع الدولة في طريق التنمية والاكتفاء الذاتي، أما حالها اليوم فحدث ولا حرج، حيث تتفكك الدولة وتُنتهك سيادتها، ويتفكك المجتمع وتُهان كرامته في بلاد اللجوء. ما جرى ويجري ليس نتيجة أخطاء في المعلومات ولا دفاعا عن حق الشعوب العربية في التحرر من انظمة دكتاتورية، بل فعل مخطط ومقصود لتدمير وتفكيك الدول العربية الأكثر استقرارا وسيرا في طريق تنمية مستدامة معتمدة على الذات ومتحررة من الهيمنة الغربية، وأكثرها تهديدا للمصالح الأميركية والإسرائيلية. كانت واشنطن ودول الغرب المشاركين معها يعلمون الحقيقة وكانت لهم مخططات معدة مسبقا لتدمير الأمة العربية وتفكيك دولها وخلق حالة من الفوضى، موظفين جماعات إسلام سياسي من صُنعِهم وأنظمة موالية لهم تقوم بتقديم المال والسلاح والدعم اللوجستي، وبعد تنفذ ونجاح مخططهم بطريقة فاقت ما كانوا يتوقعون وتركت تداعيات تجاوزت الأنظمة المستهدَفة، أخذوا يتبرءون من المسؤولية وينسحبون تدريجيا من مسرح الأحداث، تاركين دول فوضى الربيع العربي تغرق في الفوضى والدمار، ومورطين دول الخليج ودول الجوار – تركيا وإيران – بالإضافة إلى روسيا في هذه الفوضى، مع العمل في المرحلة القادمة من المخطط لمد الفوضى إلى هذه الدول. ولكن، ماذا بالنسبة للأنظمة العربية التي شاركت في تدمير العراق وحصاره، والتي شاركت وما تزال تشارك في تدمير سوريا واليمن وليبيا ومحاولة خلق الفوضى في تونس؟ فهل ستعترف بالخطأ وتعمل على تصحيحه وتعتذر لشعوبها على مشاركتها في تدمير دول شقيقة؟ وتعتذر لشعوبها عن استنزاف المقدرات المالية لبلدانهم بل وتهديد أمنهم القومي للخطر؟ وهل ستعترف النخب الحزبية -وخصوصا جماعة الإخوان المسلمين - بأخطائها؟ بل وهل ستعترف الشعوب نفسها بأنه تم التغرير بها وأنها انساقت وراء وهم أنها تقوم بثورة؟ نعم، على كل هذه الفئات أن تعتذر وتعترف بأنها أخطأت بحق نفسها وبحق قادة حافظوا على وحدة دولهم وتماسك مجتمعاتهم وصون كرامتهم، . على الشعوب العربية أن تعترف بحقيقة الأكذوبة الكبرى التي تم تمريرها عليها تحت مسمى الربيع العربي، وأن الأهداف الحقيقية لكل ما جرى ليس صدام حسين والقذافي وبن علي ومبارك والأسد بل تدمير الدول والمجتمعات التي استطاع هؤلاء القادة أن يبنوها ويحافظوا على وحدتها واستقرارها، حتى يتحول العالم العربي لمنطقة مستباحة لا زعامة لها ولا مشروع يوحدها، وبالتالي تؤمن واشنطن مصالحها الاستراتيجية في المنطقة وهذا ما اعترف به الرئيس أوباما في خطاب الوداع يوم العاشر من يناير عندما قال إن الولايات المتحدة في عهده مرت بأفضل سنواتها، أيضا تصبح إسرائيل السيد المطلق للمنطقة، وهذا ما يجري اليوم. بالتأكيد لم يكن هؤلاء القادة ملائكة أو ديمقراطيين وكانت لهم اخطاء كثيرة بعضها تجاه شعوبهم وأخرى تجاه جيرانهم، ولكن حال الأنظمة العربية الأخرى ليس أفضل، كما أنه كان من الممكن إحداث تغييرات دون تدمير الدولة والمجتمع وتمكين الأغراب من انتهاك سيادة الدولة وتمزيق وحدة المجتمع، أيضا فإن من جاء بعدهم ليس بأفضل منهم، وحال بلدانهم بعدهم ليس بأفضل مما كانت في زمانهم. د. إبراهيم أبراش أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر – غزة Ibrahemibrach1@gmail.com

مشاركة :