حلم أم كابوس بقلم: أبو بكر العيادي

  • 2/2/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

عالم المواقع الاجتماعية ينهض أساسا على نمط التجانس والملاءمة، والحال أن القاعدة الأنثروبولوجية الأولى لكل حياة مشتركة فعلا تقوم على العادة السيكولوجية التكوينية. العربأبو بكر العيادي [نُشرفي2017/02/02، العدد: 10531، ص(15)] من عادة الثورات أن تعد الناس بحياة أفضل، ولكن الثورة الرقمية تعدهم بعالم أفضل. حسبهم أن يحمّلوا بعض التطبيقات فتكون حياتهم سهلة ممتعة. وإذا كانت بعض المشكلات كالفقر والمرض والموت لم تجد لها حلا بعد، فأمرها مُرجأ إلى حين، بوصفها من بقايا العهد القديم فيما يزعم دعاة الرؤية السيليكونية. ولكن بعض المتخصصين يرون رأيا مخالفا، ويحذرون من التواكل كثيرا على المبتكرات الرقمية. في كتاب بعنوان “النسخ الرقمي للعالم” يبيّن الفيلسوف الفرنسي إريك سادان كيف أن مرافقة اللوغاريتمات المتواصل لحياتنا ليست جنة كما نتوهم، بل هي جحيم مقنّع. فهي وإن بدت في الظاهر وسيلة لتسهيل عيشنا، إنما تعمل في الواقع على إلغاء النمط الذي نريد، عن طريق مراقبته والتحكم فيه، قبل أن تُفقده إنسانيته. ذلك أن القرار الإنساني يبدأ بالتضاؤل، ثم يميل إلى الحياد، قبل أن يلغى تماما، أي أن ما يحدد الوضع البشري منذ غابر الأزمنة، يحوَّلُ إلى مجال آخر تديره “صناعة الحياة” كما يقول، وهي شمولية ناعمة وصارمة في الوقت ذاته، ولكنها لا تلقى من النخبة، حتى من يدّعون التقدمية، إلا الافتتان بفتوحاتها. والكاتب لا يتوقف عند نقد الجوانب التقنية، بل يتجاوزها إلى فكر “السيليكون فالي” الذي جاء كردّ فعل على الثقافة المضادة التي قادها غينسبرغ وكيرواك في ستينات القرن الماضي، بغية فرض هيمنة اقتصادية مالية على العالم بأسره عن طريق ترويج الآلات الذكية على اختلاف أنواعها. فيلسوف فرنسي آخر هو جان كلود ميشيا ينظر إلى المسألة من زاوية أخرى، زاوية العلاقات التي تنشأ في المواقع الاجتماعية، لكونها لا تعوض بحال العلاقات الاجتماعية التي يقيمها الأفراد فيما بينهم على أرض الواقع. ويحذر من الانسياق وراءها، أولا لأن الوقت التي يقضيه الفرد المتصل وهو يبحر من موقع إلى آخر منتزَعٌ من وقت الحياة المشتركة الحقيقية، وبالتالي فالصداقة على الفيسبوك تختلف عن الصداقة الواقعية، والتابع ليس الصديق الحق. ثانيا، لأن عالم المواقع الاجتماعية ينهض أساسا على نمط التجانس والملاءمة، والحال أن القاعدة الأنثروبولوجية الأولى لكل حياة مشتركة فعلا تقوم على العادة السيكولوجية التكوينية التي تدرب الفرد على العيش مع أناس لم نخترهم كالأجوار والزملاء والأقارب، ولا يفكرون بالضرورة مثلنا. وأخيرا، لأن أغلب البحوث السيكولوجية أثبتت أن نمط الحياة “المتصل” يناسب الطبقات الوسطى الجديدة. والخطر أن تساهم الأفكار التي تروجها المواقع الاجتماعية في نشر الحساسية النرجسية لتلك الفئات على حساب وجهة النظر الحقيقية للطبقات الشعبية. كاتب من تونس أبو بكر العيادي :: مقالات أخرى لـ أبو بكر العيادي حلم أم كابوس, 2017/02/02 مارك ديغرانشان فنان التلاشي المربك والخارج عن المألوف, 2017/01/30 ما يبقى من بونفوا , 2017/01/26 جحيم الحياة في المدن الكبرى عبر ليلة قبيل الغابة, 2017/01/23 ما بعد الحقيقة , 2017/01/19 أرشيف الكاتب

مشاركة :