أيهما أقصر؟ الذهاب أم الإياب؟ بقلم: أبو بكر العيادي

  • 4/6/2017
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

يمكن أن نضيف الخوف من المجهول كعامل يوهم بأن الذهاب أطول وقتا ومسافة، ولكن لو أمعنّا النظر في تجاربنا لألفينا أن الإياب هو أيضا أطول مسافة.العرب أبو بكر العيادي [نُشر في 2017/04/06، العدد: 10594، ص(15)] لفتت انتباهَنا مقالةٌ للفيلسوف الفرنسي ألكسندر لاكروا عن نسبية المسافة، ذهابا وإيابا، ففي رأيه أنها، وإن بدت واحدة، تختلف باختلاف اللحظة والحالة النفسية. يتحدث لاكروا عمّا يسميه أثر رحلة الإياب، ليبين أننا حينما نسافر سيرا على القدمين، أو على متن دراجة أو سيارة أو قطار أو طائرة، يبدو لنا الإياب أقصر مسافة من الذهاب، لأسباب فسرها بما انتهى إليه عالم نفس هولندي، يدعى نيلس فان دي فان، من أن الذهاب يحمل سمة الجديد الذي نريد اكتشافه، فنمضي في تقليب النظر إلى الأشياء والموجودات، الحيوانات والبشر، الطبيعة والمعالم، على نحو يوهمنا بأننا قضينا في مشاهدتها زمنا ما. أما خلال الإياب، فنحن لا نهتم بما سبق أن رأيناه، ولا ينتابنا إحساس بأن الوقت يمضي. وفي رأي عالم النفس الهولندي وفريقه، ليس التعرف الفضائي هو ما يجعل الإياب أقصر، لأن الأثر هو نفسه عند السفر ليلا أو على متن الطائرة، حيث لا وجود لمعلم نهتدي به. والفارق بين التقديرين في ظنه إنما مردّه إلى الانتقال من طور التفاؤل إلى طور التشاؤم، ومن الرغبة إلى اللامبالاة. ذلك أن المسافة، في تقديره طبعا، هي عائق بين الذات وإنجازها حدثا ما، كالذهاب إلى مدينة تجهلها، أو مكان لم تسبق لها زيارته، فتكون نشيطة، متعطشة للاكتشاف، فيما تفقد المسافة في الإياب كثافتها وقيمتها وتغدو شفافة، ليس وراءها ما يغري، لأن ما بعدها هو الرجوع إلى البيت. يمكن أن نضيف الخوف من المجهول كعامل يوهم بأن الذهاب أطول وقتا ومسافة، ولكن لو أمعنّا النظر في تجاربنا لألفينا أن الإياب هو أيضا أطول مسافة، في حالات نستحضر منها مثلا ما كنا نعيشه صغارا عند فشلنا في إنجاز ما يعهد لنا به آباؤنا من مهمات، وخوفنا من ردة فعل عنيفة، وفي الأقل خادشة لعزة نفوسنا، جارحة لكبريائنا. أو ما ينتابنا عقب مشاهدة مباراة فريقنا لكرة القدم، لا سيما يوم “دربي” العاصمة، بين الأفريقي والترجي، فقد كنا نعود خِفافا، سِراعا، عند الفوز، لنعيش الفرحة من جديد مع من لم تسمح له ظروفه بالتنقل إلى الملعب، فيبدو الإياب عندئذ أقصر من طَرفة عين، ولكن عند الهزيمة تبدو المسافة أطول وأشق، ويكون سيرنا بطيئا ثقيلا كأن أقدامنا مغلولة، ونحن نستبق تعاليق الهزء والشماتة التي سوف يقابلنا بها الخصوم. فالمسألة، مهما قلّبنا أوجهها، نسبية في النهاية، وثيقة الصلة بالحالة النفسية أكثر مما هي مرهونة بالواقع الملموس. كاتب من تونسأبو بكر العيادي

مشاركة :