الثقافة الشعبية الجديرة بهذا الاسم تتضمن وازع المقاومة وهو العنصر الذي نادرا ما نعثر عليه في دراسات أصحاب المشاريع الكبرى في نقدنا العربي المعاصر. العربأزراج عمر [نُشرفي2017/02/24، العدد: 10553، ص(15)] في إحدى المناقشات الجدية التي خصصها الناقد محمد جابر الأنصاري منذ عدة سنوات للمشروع النقدي عند الشاعر أدونيس لاحظ طغيان الأيديولوجيا والنزعة الطائفية لدى شاعرنا الذي حصر وما فتئ يحصر مجمل تحليلاته للتراث العربي الإسلامي في ما يسمى بعناصر الثقافة العالمة الموجهة للفئات ذات التكوين التعليمي الأكاديمي أو شبه الأكاديمي، وأهمل بذلك المتن الثقافي الشعبي والفلكلوري في هذا التراث، علما أن هذا المتن المركب والمتنوع يعد ركنا أساسيا قد لعب ولا يزال يلعب دورا مفصليا في صياغة الشخصية الثقافية والنفسية القاعدية لإنساننا ووعيه ولاوعيه. وفي الحقيقة ليس أدونيس وحده الذي يهمل دراسة الثقافة الشعبية والفلكلورية وفق المنهجيات الحديثة، بل إن هذه الظاهرة تتكرر بشكل ملحوظ عند النقاد والمفكرين العرب المعاصرين المدعوين بأصحاب المشاريع النقدية الكبرى أمثال حسن حنفي ومحمد عابد الجابري ومحمد أركون وطيب تيزيني وجورج طرابيشي وحسين مروّة ومحمود أمين العالم وغيرهم. مما لا شك فيه أن المنهل الأولي الذي ساهم ويساهم فعليا في التكوين الثقافي والنفسي لمواطنينا ومواطناتنا في الأرياف والبلدات الصغيرة والتجمعات السكانية في المدن هو الثقافة الشعبية، والفلكلورية بما في ذلك عنصر الثقافة الدينية الشفوية المنقولة من وسط شعبي إلى وسط شعبي آخر. ومن هنا فإن الكشف عن السجل الرمزي، الذي يحرك شعوبنا بوعي أو بدون وعي مرتبط ومشروط بالضرورة، بدراسة الثقافة الشعبية والثقافة الفلكلورية اللتين شكلتا وتشكلان محاور أساسية من الشخصية الفردية والجماعية، وبدون ذلك فإن عملية الكشف تتوقف عند بنية السطح ولا تحفر عميقا في البنية العميقة، وجراء ذلك تبقى جزئية وانتقائية وبالتالي غير مكتملة. وفي هذا الخصوص نجد راهنا اهتماما متزايدا وجديا منصبا على تسليط الأضواء على الثقافة الشعبية والثقافة الفلكلورية لدى دارسي ومنظري الثقافة والفكر في الغرب وذلك بفضل المقاربات الانثروبولوجية والاثنوغرافية، والنقد الثقافي ومنظورات الدراسات الثقافية التي استُحدثت بدءا من منتصف القرن العشرين ثم طُوّرت حتى أصبحت الآن تخصصا قائما بنفسه ورائجا في المنظومة التعليمية. ولقد تمكن النقد الثقافي والدراسات الثقافية من التمييز بين الثقافة الشعبية والفلكلور، وبذلك تم الفصل بينهما. فالثقافة الشعبية في نظر النقد الثقافي والدراسات الثقافية هي “ثقافة التابع الذي يمتعض من تبعيته، ويرفض قبول موقفه أو أن يساهم في الإجماع الذي يبقي وجودهما” في حين “أن الثقافة الفلكلورية هي الثقافة الاجتماعية التي تنتج في المجتمعات حيث تكون التجربة الاجتماعية أكثر أهمية من التجربة الخاصة” وفقا لتقدير الناقد الثقافي الأميركي هنري جانكينز، ويعني هذا أن الثقافة الشعبية الجديرة بهذا الاسم تتضمن وازع المقاومة وهو العنصر الذي نادرا ما نعثر عليه في دراسات أصحاب المشاريع الكبرى في نقدنا العربي المعاصر. كاتب جزائري أزراج عمر
مشاركة :