الصحافة الثقافية المتخصصة والجادة والعصرية لا تزال مفقودة في الجزائر وليس هناك سوى ما يسمّى بالأركان الثقافية التقليدية التي لا تقدّم للقراء الإنتاج الفكري والأدبي والثقافي المتطور والجديد.العرب أزراج عمر [نُشر في 2017/12/22، العدد: 10850، ص(15)] تميزت السنة الثقافية الجزائرية لهذا العام بالتقشف الذي تحوَل تدريجيا إلى تصحَر جرَاء توقيف دعم الكتاب بصفة عامة ومشروع طباعة ألف كتاب بصفة خاصة الأمر الذي انعكس سلبا على الحياة الثقافية التي أصيبت بالشلل. إضافة إلى هذا الجانب السلبي فقد جمَدت نشاطات المكتبة الوطنية وأبقي فقط على نشاطها الأكاديمي التقليدي الشكلي المتمثل في فتح أبوابها للمطالعة لفائدة الطلاب والطالبات، أما الندوات الفكرية والأدبية، التي كانت تعقد فيها أسبوعيا وشهريا ودوريا ويدعى إليها مفكرون ونقاد ودارسون وشعراء وروائيون وفنانون جزائريون وعرب وأجانب، فقد أزيلت من الخارطة الثقافية، وجرّاء ذلك لم يعد المثقفون والأدباء والفنانون يلتقون بقرائهم ويتحاورون معهم بشكل مباشر وحميمي في قضايا الفكر والأدب والفن. في هذا المناخ يلاحظ أن الثقافة قد أصبحت مختزلة في بعض المحاولات البسيطة والسطحية ذات الصلة بترميم المواقع الأثرية، والقيام ببعض النشاطات المسرحية والسينمائية، فضلا عن عقد بعض الندوات الأدبية المرتجلة هنا وهناك مثل مهرجان الشعر النسوي الذي انطلقت أشغاله مؤخرا. لا شك أن ما يسمى بمخابر البحث العلمي والفكري التابعة للجامعات قد عانت بدورها من تقليص ميزانياتها المالية المرصودة لها، كما تم إغلاق بعضها بسبب تقاعسها، ورغم ذلك فقد نظمت المخابر الباقية منها مجموعة من الملتقيات الثقافية والفكرية التي غلبت عليها نزعة التنشيط الثقافي والفكري الاعتيادي والنمطي. أما حقل ترجمة الأدب والفكر والعلوم والفنون من اللغات الحية إلى اللغة العربية أو إلى اللغة الأمازيغية فقد بقي على حاله القديم ولم يشهد أي حركة جادة أو تطور يذكر على المستوى الكمي أو النوعي، أي أنه لم ينتج فيه شيء مهم يمكن أن يساهم في خلق مناخ النهضة الثقافية والفكرية والعلمية والفنية الجديدة في الجزائر. والأدهى والأمرّ هو أن ميدان الترجمة في الجزائر قد بقي شأنا فرديا ومزاجيا، ولا يعامل كقضية أساسية تخص الدولة والمؤسسات التابعة لها فضلا عن مؤسسات المجتمع المدني المحتشمة والتي عانت ولا تزال تعاني من انعدام أي مشروع حيوي فضلا عن معاناتها للنقص المادي المتفاقم. ومن الملاحظ أيضا هو أن المجالس العليا ذات الطابع الثقافي واللغوي التابعة لرئاسة الجمهورية قد تكلَست وصارت مجرد دكاكين للنظام الحاكم الذي يموّلها، ويراقب سير نشاطاتها، ويتحكم في توجيه وتنفيذ البرامج التي تسطرها، أما المجلات الثقافية والفكرية والعلمية والفنية في الجزائر فقد أصبحت قليلة من حيث العدد، أما من حيث مضامينها ودورها في إنعاش الحياة الثقافية فهي مصابة بالجمود والتقهقر. ويبدو واضحا أيضا أن الصحافة الثقافية المتخصصة والجادة والعصرية لا تزال مفقودة في الجزائر وليس هناك سوى ما يسمّى بالأركان الثقافية التقليدية التي لا تقدّم للقراء الإنتاج الفكري والأدبي والثقافي المتطور والجديد. كاتب جزائريأزراج عمر
مشاركة :